مفهوم الأمة وخصائصها في فكر الشيخ محمد رشيد رضا

أولاً: مفهوم الأمة عند رشيد رضا:
الأمة عند رشيد رضا هي: تلك الجماعة الذين تربطهم رابطة اجتماع يعتبرون بها واحدًا، وتسوغ أن يطلق عليهم اسم واحد[1]، أو هي: الجماعة المؤلفة من أفرادٍ لهم رابطة تضمهم، ووحدة يكونون بها كالأعضاء في بنية الشخص؛ سواء أكانت كبيرة أو صغيرة، ويختلف هذا الرابط باختلاف مفهوم الأمة، فأمة الإسلام تربطها عقيدة الإسلام[2].

 ونستطيع أن نتبين من خلال متابعتنا لمفهوم الأمة عند رشيد رضا أنه يضيف أبعادًا أخرى لمفهوم الأمة في الحضارة الإسلامية؛ باعتباره مفهومًا سياسيًّا وعقَديًّا ذا مكانة خاصة في الفكر السياسي الإسلامي، وباعتباره تجمعًا عقديًّا قيميًّا ناجمًا عن تفاعُل أفراد من البشر مع مبادئ كلية، وقيَم عامة، تتجاوَز الخصوصيات الطبيعية التي تمايز بين الناس: من لون، أو عرق، أو لغة، أو إقليم[3]، ويتجاوز الاجتماع الموحد والتجانس المشترك الذي قصدته الحضارة الغربية[4].
وأبرز هذه الأبعاد:
أولاً: البُعد الشَّرعي:
ويعني أنَّ الأمَّة وعاء لمنْهج الإسلام عقيدة وشريعة، ويتمَيَّز مفهوم الأمة الإسلامية مع هذا البعد بمحورية الإسلام كمكون أساسي ومرتكز رئيس يقوم عليه وينهض من خلاله[5]، بل إن من وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - "تربية الأمة على هذا المنهج، وتعليمها الكتاب والحكمة، وما لم تكن تعلم من القضاء والسياسة وأمور الدولة؛ فقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] [6]، وذلك لأن الأمة هي قوام الدِّين، والوعاء الجماعي المطلوب منه شرعًا أن يجسد تعاليم الدِّين في أرض الواقع؛ فهي المخاطبة بشرائعه وأحكامه، وهي المنوط بها تحقيقه وتطبيقه[7].

وتأتي أهمية هذا البُعد عند رشيد رضا في اعتبارَيْن:
الأول: أن هداية الدين هي أساس تكوين أمة الإسلام، فإذا كان الشيخ محمد عبده في مبحث الحاجة إلى الرسالة - من رسالة التوحيد -: يرى أن عقل البشر لا يستقل بوضْع حدود للأعمال تنتهي إليها نزعات الشهوات، ويقف عندها سير الأهواء والرغبات، بل لا بُدَّ له من تشريع إلهي لذلك[8]، فإن رشيد رضا يرى أن أستاذَه قد أوجز، فترك المسألة مبهمة مظلمة؛ لأن "طور العقل والفكر قد بلغ في هذا العصر مرتقى لَم يعرفْ في التاريخ ما يُقاربه، ووضع علماؤُه وحكماؤه شرائع وقوانين لإيقاف التنازع والتخاصم عند حدٍّ لا يتفاقم شرُّه، ثم نرى أعلم هذه الأمم ودولها مبعث الشرور والشقاوة، والخبث والرِّياء، والحروب والفتَن، فلا هداية إلا هداية الدِّين الإلهي الذي تذعن له الأنفس بمحض العبودية لله - تعالى[9].

ثانيًا: "إن اتباع هدي الله المنزل على رسلِه وهو الدين موجب للسعادة، وهذا وعد يشمل الدنيا والآخرة لإطلاقه، ولكنه في الدنيا إضافي مطرد في الأمم، وإضافي مقيد غير مطرد في الأفراد، وفي الآخرة حقيقي مطرد للجميع، وموجب لشقاء مَن أعرض عنه بعد بلوغ دعوته على وجْهها على نسبة مقابله في الدارين، والشاهد عليه قوله تعالى لآدم ومَن معه: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] والتي بعدها"[10].

ثانيًا: البُعد التربوي:
 وتكمُن أهمية هذا البُعد في ضرورة اقترانه بالبُعد الشرعي؛ فإذا كانت هداية الدين تمثل المحتوى النظري الصالح لإقامة الأمة، فإن ذلك لن يكون إلا بتربية أفراد الأمة على هذا المنهج وتلك الهداية، وتأكيدًا لحتمية العملية التربوية في بناء الأمة، نجد أن مهمة الرسول تربوية بالدرجة الأولى[11]، ويؤكد رشيد رضا هذه النظرة؛ فيرى أن مجرد تعليم الكتاب والحكمة لا يكفي في إصلاح الأمم وإسعادها، بل لا بد أن يقرن التعليم بالتربية على الفضائل، والحمل على الأعمال الصالحة بِحُسْن الأُسْوة والسياسة؛ لأن الله تعالى قال في وظيفة الرسول: {وَيُزَكِّيكُمْ}؛ أي: يُطَهِّر نفوسهم من الأخلاق الذميمة، وينزع منها تلك العادات الرديئة، ويعودها الأعمال الحسنة التي تطبع في النُّفُوس ملكات الخير، ويبغض إليها القبيحة التي تغريها بالشَّرِّ[12].

 لأن الإنسان لا يبني الحضارة هكذا بسلوك فطري، مثلما يأكل وينام ويشرب ويتناسل، إنه يبنيها بسلوك تَعَلَّمَه، ويعلِّمه لِمن يأتي بعده من أجيال لاحقة، بحيث يحدث ما يسمى بالتراكُم المعرفي والتقني[13].

فإن الأمة الإسلامية تجد التربية أمامها في موقع أكثر أهمية، وبالتالي تقع على عاتقها مسؤولية أشد خطورة، لماذا؟ لأن الدين في لُحمته وسُداه ليس مجرد نصوص يتحرك بها اللسانُ أو تعيها الذاكرة، أو تسطر على صفحات الورَق، ولا هو مجرد شعائر يؤدّيها المسلم، وإنما هو بالدرجة الأولى "حياة كاملة"، سلوك يتشخّص عبر بُنى إنسانية تقول ما يصدقه عقلها، ويطمئن إليه قلبها، وتفعل ما تقول، وتسلك وفق ما تؤمن به، وتتعامل بما تُؤمر به، وتُنهى عنه[14].

 والناتج من هذه التربية أمة يسودها الإيمان بالمقومات الأساسية للدِّين الإسلامي، أو مرجعية الإسلام، وتملك إدراكًا واحدًا في كل ما له صلة بهذه المرجعية، وأهمها الخضوع لهذه المرجعية، واحترام ما ينبثق عنها كنظامٍ متكامل للسلوك الفردي والجماعي، الذي تجسده الشريعة[15].

ويضرب رشيد رضا مثالاً تاريخيًّا في أن العلوم والفنون لا تبني أمة دون التربية؛ "كان أرقى حكام الروم والفرس وغيرهم علمًا وفنًّا وأدبًا وسياسة يفسد في الأرض، ويعبث بالمال والعرض،... وكان المسلم العربي يتولَّى حكم بلد أو ولاية، وهو لا علم عنده بشيء من فنون الدولة، ولا من قوانين الحكومة، ولَم يمارس أساليب السياسة ولا طرق الإدارة، وإنما كل ما عنده من العلم بعض سور من القرآن، فيصلح من تلك الولاية فسادها، ويحفظ أنفسها وأموالها وأعراضها، ولا يستأثر بشيء من حقوقها"[16].

 إن هذا يعني أن التربية بالنسبة للدِّين ضرورة وجود، وحتمية استمرار، وآية ذلك أننا نرى في عصرنا الحاضر أن القيام بالشعائر الدينية الإسلامية يتَّسع مداه يومًا بعد يوم، فبيت الله الحرام عامر يوميًّا بعشرات الألوف، بل ومئات الألوف طوال العام بالمعتمرين والحجاج، والمساجد في كل أنحاء العالم الإسلامي مملوءة بالمصلِّين، وآيات القرآن تُتْلى مِنْ قِبَل الملايين من المسلمين، وسوق الثقافة يزخر بالكتب الدِّينية التي تجد إقبالاً لا مثيل له قياسًا إلى العديد من المجالات الأخرى... وهكذا، ومع ذلك فالمسلمون في حالة من التفكُّك والضعف والتأخُّر، مما يجعلهم مطمعًا لقوى الاستغلال والنهب والاستعباد، وهم يعيشون حالات من التبعية تبعث على الخجل[17]، وهذه النظرة تتفق مع ما ذهب إليه رشيد رضا فيقول: "وقد شاهدنا ولا نزال نشاهد في بلادنا أن طلب العلوم والفنون مع إهمال التربية المصلحة للنفس لَم تَحلْ دون استعباد الأجانب لنا، كما جرى في دولتي الأستانة والقاهرة وغيرهما، ترى الرجل المتعلم المتفنن يتولَّى ولاية أو وزارة، فيكون أول همِّه منها تأسيس ثروة واسعة لنفسه وولده; لأجل التمتُّع بالشهوات واللذات والزينة، وهكذا تفعل كل طبقة من رجال الدولة، يستنزفون ثروة الأمة بالرِّشا والحيَل وأكل السُّحْت، ويكون كل ما فضل عن شهواتهم بل جُلّ ما ينفقونه عليها نصيب الأجانب"[18].

 فهل يتصور عقل يعِي حقيقة الإسلام أن مظاهر التدين المختلفة التي سقنا أمثلة لها، هي سبب هذا التفكك وهذا التشرذُم والتبعية والضعف والتخلف؟ لا بد أن تكون الإجابة بالنفي، فما السبب إذًا؟

 إن السبب يكمن في غياب التربية الإسلامية التي تعنِي: عملية البناء العقلي والقلبي والسلوكي للإنسان؛ أي: عملية تنمية الشخصية الإنسانية، والتي تتسع لتشمل كافة القوى والمؤسسات التي يمكن أن يكون لها دور في بناء الشخصية الإنسانية، بناءً شاملاً متكاملاً[19].
 
ثالثًا: البُعد التاريخي:
يقوم على الارتباط بالأمم السابقة، وتشكيل أمة واحدة مع المؤمنين منهم، وهو ما يُمثل عند رشيد رضا نوعَيْن من الاتصال بين الحاضر والماضي:
أولاً في الاعتقاد:ويرى رشيد رضا في هذا مزية للمؤمنين من هذه الأمة على غيرهم من أهل الكتاب الذين يُفَرِّقُون بين الله ورسله؛ {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء: 150]، كأنهم لَم يعقلوا معنى الرسالة في نفسها؛ إذ لو عقلوها لما فرقوا بين مَن أوتوها[20].

ثانيًا: الأعمال:ويتمثل ذلك عند رشيد رضا في أنَّ القرآن يسند إلى الحاضرين من الأمة عمل الغابرين لإفادة معنى الوحدة والتكافُل، وظهور أثر الأوائل في الأواخر، ورأوا مثله في زمن الخطاب في حرْبهم للمسلمين[21].

 ويؤكد رشيد رضا على أن ترتبط الأمة بهذا البعد، فيرى أن هذه الأمة لا يمكن أن تعرف حقيقتها إلا بعد معرفة تاريخها الماضي، فلا بد من تتبع السواقي والجداول إلى الينبوع الأول الذي هو الأصْل[22].

 إن هذا البعد يأخذ من رشيد رضا حيزًا كبيرًا، وكأنه يريد أن يربط الحاضرين الذين فرطوا في هذا الأمر بالسابقين من سلَف هذه الأمة، الذين كانوا يضبطون أحوال من قبلهم مِن أمور الدين والدنيا بكل اعتناء ودقة، "حتى كانوا يروون البيت من الشعر أو النكتة بين العاشق ومعشوقته بالأسانيد المتَّصِلة، وليست هذه المبالغة مما يؤخَذ عليهم؛ فإن الأمة إنما تكون أمة بدينها ولغتها وأخلاقها وعاداتها، فإذا لَم يحفظ خلفها عن سلَفِها هذه المقومات بحفْظ تاريخها، تكون عُرضة للتغيُّر بتأثير حوادث الزمان، وتقلُّبات شؤون الاجتماع مع جهْل المتأخِّر بما كان عليه المتقدمُ، وبكيفية حدوث التغيير الضار للجهل بالتاريخ، بهذا تفعل فواعل الكون بالأمة الجاهلة أفاعيلها، حتى تقلب كيانها، وتقوض بنيانها، وتقطع عُرى الربط العامة بين أفرادها، فلا يكون لهم عمل إلا للمصلحة الشخصية، وهي لا حفاظ لها في مجموع الأمة إلا بالمصلحة العامة، فإذا أهملتْ تكون الأمة من الهالكين"[23].

رابعًا: البُعد الاجتماعي:
يشتمل على واجبَيْن:
الأول: نحو المجتمع الإسلامي:
 وذلك بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهْي عن المنكر، الذي يعني: ديناميكية فعالة من أجل التوازُن المستمر، ويرى رشيد رضا متابعًا لشيخه محمد عبده أن على الأمة أن تنتخب منها أمة صغرى تقوم بهذا الواجب، والمراد بكون المؤمنين كافة مخاطبين بتكوين هذه الأمة لهذا العمل، هو أن يكونَ لكل فرد منهم إرادة وعمل في إيجادها وإسعادها، ومراقبة سيْرها بحسب الاستطاعة، حتى إذا رأوا منها خطأ أو انحرافًا أرجعوها إلى الصواب[24]، وهو ما عبر عنه في غير موضع بقوله: "ثم إن كون الأمة الخاصة منتخبة من الأمة العامة يقتضي أن تكون للعامة رقابة وسيطرة على الخاصة، تحاسبها على تفريطها، ولا تعيد انتخاب مَن يقصر في عمله لمثله، فالأمة الصغرى المنتخَبة - بفتح الخاء - تكون مسيطرةً على أفراد الأمة الكبرى المنتخِبة - بكسر الخاء - وهذه تكون مسيطرة على الأمة الصغرى، وبهذا يكون المسلمون في تكافُل وتضامُن"[25].

ويعتبر رشيد رضا أن دعوة المسلمين بعضهم بعضًا إلى الخير وتآمرهم فيما بينهم بالمعروف وتناهيهم عن المنكر - له طريقان:
أحدهما: الدعوة العامة الكلية:
ببيان طرق الخير، وتطبيق ذلك على أحوال الناس، وضرب الأمثال المؤثرة في النفوس التي يأخذ كل سامع منها بحسب حاله، وإنما يقوم على هذا الطريق خواص الأمة، العارفون بأسرار الأحكام وحكمة الدين وفقهه، وهم المشار إليهم بقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، ومِن مزايا هؤلاء: تطبيق أحكام الله - تعالى - على مصالح العباد في كلِّ زمان ومكان، فهم يأخذون منَ الأمر العام بالدعوة والأمر، والنهي على مقدار علْمهم[26].

والطريق الثاني: الدعوة الجزئية الخاصة:
 وهي ما يكون بين الأفراد بعضهم مع بعض، ويستوي فيه العالِمُ والجاهل، وهو ما يكون بين المتعارفينَ من الدلالة على الخير والحث عليه عند عروضه، والنهي عن الشر والتحذير منه، وكل ذلك من التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وكل واحد يأخذ من الفريضة العامة بقدره[27].

 وتمثل هذه المرتبة عند رشيد رضا حفاظًا للوحدة وسياجًا دون الفرقة، فلو كان أهل البصيرة والفقه الحقيقي في الدين على الطريق الأول، يعممون دعوتهم وإرشادهم في الأمة ويواصلونها، لكانوا موارد لحياتها، ومعاقد لرابطة وحدتها، وكذلك على الطريق الثاني، فإنَّ أفراد الأمة إذا قام كلُّ واحد منهم بنصيحة الآخر - دعوة وأمرًا ونهيًا - امتنع فشو الشر والمنكر فيهم، واستقر أمر الخير والمعروف بينهم، فكيف تجد الفرقة منفذًا إليهم؟! أم كيف يستقر الخلاف في الدين بينهم؟! وناهيك إذا قام - كل على طريقه المستقيم - العلماء الحكماء في مساجدهم ومعابدهم، وجميع الأفراد في منازلهم ومساكنهم ومعاهدهم[28].

الثاني: نحو المجتمعات الأخرى:
 وذلك بالقيام بواجب الشهادة عليها، ونقْلها إلى ما هو أفضل لها وأخير؛ لأن هذه المجتمعات تُمَثِّل عند رشيد رضا ما يسميه أمة الدعوة في مقابل أمة الإجابة[29]، وهي الأمةُ التي استجابت لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ مبعثه، وهي ما تعرف بأمة الإسلام التي تتخذ من عقيدة الإسلام المرجعية في السلوك الفردي والجماعي، واتخاذها أساسًا لبناء النظم.

 ثم يُحَدد رشيد رضا علاقة أمة الإجابة بأمة الدعوة في إطار الأداء الوظيفي، الذي هو محور الوظيفة الحضارية لأمة الإجابة بأنها علاقة "الدعوة"، بما يعنيه مفهوم الدعوة من سعْي للالتزام بتلك المرجعية، وهذا الالتزامُ بالمرجعية هو سبيل تحقيق الشهادة على العالمين؛ {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، كما هو سبيل لتحقيق الوسطية المنشودة لهذه الأمة، ويشير رشيد رضا إلى أن القرآن الكريم في إطار ترْسيخ مفهوم الدعوة كعلاقة بين أمة الدعوة وأمة الإجابة لَم يهمل أمة الدعوة في خطابه، فما يناهز شطر سورة البقرة على سبيل المثال، خاص بأمة الدعوة، والشطر الثاني قد وجه لأمة الإجابة، وكان الانتقال مِن خطاب أهل الكتاب من أمة الدعوة إلى خطاب أهل القرآن من أمة الإجابة بذكر ما هو مشترك بين قوم موسى وقوم محمد من نسب إبراهيم، والاتفاق على فضله وهدايته[30].

 بل ووضع القرآنُ المرتبة الأولى من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كإطار وظيفي لأمة الإجابة، هي دعوة هذه الأمة سائر الأمم إلى الخير، وأن يشاركوهم فيما هم عليه من النور والهدى، وهو الذي يتجه به قول المفسر: إن المراد بالخير: الإسلام في قوله تعالى: {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104][31].
 
ثانيا: خصائص الأمة الإسلاميَّة:
يفرض التأسيس السابق لمفهوم الأمة الإسلامية عند رشيد رضا أن نلمس الخصائص المميزة لها، والتي يخلص إليها من خلال ذلك المفهوم وأبعاده في علاقته بعقيدتها وقيمها، ولعلها منَ التعدُّد بما يناسب تطوُّر تجربة الأمة التاريخية المؤسسة على هذه العقيدة وتلك القيَم، غير أن هذه الخصائص من الكثرة بمكان، يستطيع القارئُ أن يستشفَّ بعضَها من السطور السابقة في مفهوم الأمة، فهي مثلاً أمة التوحيد الخالص، وأمة العلم، والأمة الحافظة لتراث النبوات (الإسلام)، وأمة الحوار، أو يرى بعضها في ثنايا "تفسير المنار"، فمِن خصائص الأمة القبلة والتعبد بها إنما يكون بطاعة الله بها لا بسِرٍّ في ذاتها أو مكانها، وأن حكمتها اجتماع الأمة عليها الذي هو من أسباب اتحادهم وجمع كلمتهم[32].

ومن خصائصها: النظام، فإذا كانتْ كتابةُ الدَّيْن مصلحةً خاصة، فإن "وراء هذه المصلحة الخاصة في كتابة الدَّيْن مصلحة عامة، وهي جعل المسلمين أُمَّة كتاب ونظام، والإسلام بدأ بالعرب، وهي أمة أمية، وقد امتن عليها بالرسول الذي علَّمَها الكتاب والحكمة، ففرض كتابة الدَّيْن عليهم هو من وسائل إخراجهم من الأمية"[33]، إلا أن الوسطية تعتبر أجمع هذه الخصائص وأشملها.
 
الوسطية من خصائص الأمة الإسلامية:
وتجدر الإشارة بداية أن هذه الخصِّيصة التي تَمَيَّز بها الإسلام كمنهج، تميزتْ بها أمة الإسلام عن أمم الشرائع السابقة التي حُرِّف بعضها إلى الغلو المادي، وحُرِّف بعضها الآخر إلى الغلو الروحاني، فإذا ما عدنا إلى رشيد رضا نجده يلتقي مع شيخه محمد عبده في مفهوم الوسطية الإسلامية، فهي القائمة على أساس الاستقلال العقلي في فَهْم حقيقة الدِّين وجوهره، وكونه وسطًا بين أطراف مذمومة؛ كالتوحيد بين الشرك والتعطيل، واتِّباع الوحي بين الابتداع والتقليد، والسخاء بين البخل والتقتير، وهي - أي: الوسطية - المحققة لمعنى الإنسانية بالجمع بين مصالح الروح والجسد[34]،إِلاَّ أن رشيد رضا يضيف بُعدًا آخر لمعنى الوسطية، فيرى أنها "مبنية على أساس الاستقلال البشري اللائق بسنِّ الرشد وطور ارتقاء العقل، ولذلك كانت الأحكام الدنيوية في كتابها قليلة، وفرض فيها الاجتهاد؛ لأن الراشد يُفوَّض إليه أمرُ نفسه، فلا يُقَيَّد إلا بما يمكن أن يعقلَه منَ الأصول القطعية، ومِن مقومات أُمته المِلِّيَّة التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان"[35].

وتتفق نظرة رشيد رضا مع الدريني، الذي يرى أن الإسلام احتكم إلى العقل في أعظم قضاياه، من الإيمان بعقائده وقيمه العليا وحقيقتها، فلأن يحتكم إليها في التصرُّف في مقررات التشريع، اجتهادًا، واستنباطًا، وتطبيقًا، بما يحقق مفاهيمها وغاياتها في المجتمع الإنساني من باب أوْلى[36].

 لا شك أن تلك الخصائص وهذه الأبعاد قد ضمنت للأمة قابلية عجيبة للبقاء عبر مراحل التاريخ، رغم إرادات الإفناء والاقتلاع الهائلة التي قوبلتْ بها، وهجمات الإبادة التي قلَّ أن عرف التاريخ لها مثيلاً، والتي كان يكشف عنها رشيد رضا في مناره أولاً بأول، وليس آخرها الهجمة الاستعمارية الشاملة على كلِّ مقومات حياتها؛ مادية كانت أم معنوية، ومن هنا تبدو الأهميةُ الحاسمة لتلك الأبعاد والخصائص بالنسبة للأمة الإسلامية اليوم في ظلِّ التحديات الجسام التي لا زالت تواجه، بل التي باتت اليوم تتخذ منحى تصاعديًّا، لا يضمن معه نجاح التحدِّي إلا بإعادة إنتاج القيَم التي ضمنت لهذه الأمة البقاء ماضيًا وحاضرًا، وهي كفيلة بأن تضمن لها الخلود مستقبلاً[37].

وفي إطار مفهوم الأمة وخصائصها عند رشيد رضا نلمح مجموعةً من المؤثرات التي تعتبر مِن مقومات الرفعة أو الضعة في تكوين الأمة، وعندما يذكرها رشيد رضا في هذا السياق، فإنما يقصد بها رسم طريق الإصلاح، ومعالجة أمراض الأمة والمفاهيم المادية التي سيطرتْ عليها فأضعفتها:
1- علاقة النفس البشرية بالمنهج:
من طبائع الاجتماع - والكلام في الأمم كلام في طبائع الاجتماع[38] - عند رشيد رضا: أن النفس البشرية إذا صلحتْ أصلحت كل شيء تأخذ به، وتتولَّى أمره، فالإنسان سيِّد هذه الأرض، وصلاحها وفسادها منوط بصلاحِه وفساده، وليست الثروة ولا وسائلها من صناعة وزراعة وتجارة هي المعيار لصلاح البشر، ولا الملك ووسائله، من القوة والسياسة، فإن البشر قد أوجدوا كل وسائل الملك والحضارة؛ من علوم وفنون وأعمال، بعد أن لَم تكن، فهي إذًا نابعة من معين الاستعداد الإنساني، تابعة له دون العكس، ودليل ذلك في العكس كدليله في الطرد، فإننا نحن المسلمين وكثيرًا من الشعوب التي ورثت الملك والحضارة عن سلَفٍ أوجدهما من العدم - ممن أضاعوهما بعد وجودهما بفساد أنفسهم[39].

 "صلحتْ أنفس العرب بالقرآن؛ إذ كانوا يتلونه حق تلاوته في صلواتهم المفروضة، وفي تهجُّدهم وسائر أوقاتهم، فرفع أنفسهم وطهَّرها من خرافات الوثنية المذلة للنفوس المستعبدة لها، وهذب أخلاقها وأعلى هممها، وأرشدها إلى تسخير هذا الكون الأرضي كله لها، فطلبتْ ذلك فأرشدها طلبُه إلى العلم بسنته تعالى فيه من أسباب القوة والضعف، والغنى والفقر، والعز والذُّل، فهداها ذلك إلى العلوم والفنون والصناعات، فأحيتْ مواتها، وأبدعتْ فيها ما لَم يسبقها إليه غيرُها"[40].
 
2 - خصائص الأفراد:
يرى رشيد رضا أن صلاح الأمم يرد إلى صلاح أفرادها في إطار منهج الهداية، إلا أنه يعتبر أن صلاح الفرد مقيس بولائه لأمته، ومدى ارتباطه بها وإفادته لها؛ لأن خصائص الأمة تنبع من خصائص الأفراد، "ولا يكتفي من المؤمن أن يكتسب بالحلال، ويتمتع بالحلال، وينفع نفسه ولا يضر غيره، وأن يصلي ويصوم؛ لأن كل هذا يعمله لنفسه خاصة، بل يجب أن يكونَ وُجُوده أوسع، وعمله أشمل وأنفع، فيساعد على نفع الناس ودرء الضرر عنهم بحفظ الشريعة، وتعزيز الأمة بالمال والأعمال، والدعوة إلى الخير ومقاومة الشَّر، ولو أفضى ذلك إلى بذْل روحه، فإن قصَّر في واجب يتعلق بحفظ الملة وعزة الأمة من غير عذر شرعي، فقد آثر نفسه على مرضاة الله تعالى، وخرج من زُمْرة كَمَلَة المؤمنين الذين باعوا أنفسهم لله تعالى، وكان أكبر إجرامًا ممن يقصر في واجب لا يضر تقصيره فيه إلا بنفسه؛ ذلك أن الحكمة في تربية النفس بالأعمال الحسنة والأخلاق الفاضلة هي أن ترتقي ويتسع وجودها في الدنيا، فيعظم خيرُها وينتفع الناس بها، وتكون في الآخرة أهلاً لِجِوار الله تعالى مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم، وجعلوا أكثر أعمالهم خدمة للناس وسعيًا في خيرهم، فإن الله تعالى لم يشترِ أنفس المؤمنين من الحظوظ والشهوات الشخصية الخسيسة، لأجل نفعه سبحانه، أو دفع الضر عنه - جل شأنه - فهو غني عن العالمين، وإنما شرع هذا ليكون المؤمن باتساع وجوده وعموم نفعه سيد الناس، فليعرض مدعو الإيمان أنفسهم على الآية وأمثالها، فمَن ادعى أنه من الذين باعوا أنفسهم لله، وآثروا مرضاته على ما سواه، فليعرضه غيره من المنصفين عليها، ولا سيما إذا ادعى أنه واسع الوجود خادم للأمة والملة، لا جرم أن كثيرًا منهم لا يصدق عليهم شيء من ذلك"[41].

 ثم يضرب رشيد رضا مثلاً في حاجة الأمة للمال؛ لدفع الفساد والإنفاق في المصالح العامة؛ يقول: "ومن الواجب على أغنياء المسلمين إذا وقع الفسادُ في الأمة، وتوقفت إزالته على المال: أن يبذلوه لدفع المفاسد الفاشية، والغوائل الغاشية، وحفظ المصالح العامة"[42].

 "ومَن أراد كمال البيان في ذلك، فليعتبر بما يراه في الأمم العزيزة التي ينفق أفرادها ما ينفقون في إعلاء شأنها بنشر العلوم، وتأليف الجمعيات الدينية والخيرية، وغير ذلك من الأعمال التي تقوم بها المصالح العامة؛ إذ يرى كل فرد من أفراد أدنى طبقاتها عزيزًا بها، محترمًا باحترامها، مكفولاً بعنايتها، كأن أمته ودولته متمثلتان في شخصه، وليقابل بين هؤلاء الأفراد وبين كبراء الأمم التي ضعفت وذلت بإهمال الإنفاق في المصالح العامة، وإعلاء شأن الملة، كيف يراهم أحقر في الوجود من صعاليك غيرهم، ثم ليرجع إلى نفسه، وليتأمل كيف أن نفقة كل فرد من الأفراد في المصالح العامة يصح أن تعتبر هي المسعدة للأمة كلها، من حيث إن مجموع النفقات التي بها تقوم المصالح تتكون مما يبذله الأفراد، فلولا الجزئيات لَم توجد الكليات، ومن حيث إن الناس يقتدي بعضهم ببعض بمقتضى الجبلَّة والفطرة; فكل من بذل شيئًا في سبيل الله كان إمامًا وقدوة لمن يبذل بعده، وإن لم يقصدوا الاقتداء به؛ لأن الناس يتأثَّرُ بعضُهم بفِعْل بعض من حيث لا يشعرون، والفضل الأكبر في هذه الأمة لمن يبدأ بالإنفاق في عمل نافع لم يسبق إليه، أولئك واضعو سنن الخير، والفائزون بأكبر المضاعفة؛ لأن لهم أجورهم ومثل أجور من اقتدى بسنتهم؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه والترمذي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا[43])) الحديث" [44].

 وأخيرًا يرد رشيد رضا على الشبهة التي تثار من حين إلى آخر، وتقضي بأن الأمة لا ينبغي أن تنصرف عن الاستعداد للجهاد إلى تثمير الأموال، فذلك يلقي بها إلى التهلكة، ويبين أن النهي الذي ورد في الآية[45] بسبب "أن المشركين كانوا بالمرصاد للمؤمنين، وهم كثيرون، فلو انصرفوا عن الاستعداد للجهاد إلى تثمير الأموال لاغتالوهم، وإصلاح الأموال واستثمارها في هذا الزمان هو أساس القوة، فقوى الدول على قدْر ثروتها، فالأمة التي تقصر في توفير الثروة هي التي تلقي بأيديها إلى التهلكة، والتي تقصر في الإنفاق في سبيل الله للاستعداد لقتال من يعتدي عليها، تكون أدنى إلى التهلكة، ولا ثروة مع الظلم، ولا عدل مع الحكم المطلق الاستبدادي"[46].

 وكأنَّ رشيد رضا يشير إلى أنه ينبغي التمييزُ القائم على ضوابط محددة بين القيم الدينية الأساسية التي تتضمنها النصوص الصحيحة الثابتة، وبين الصور التطبيقية التي أملتْها ظروف البيئة؛ أي: تحرير الدين من أسْر صور التطبيق التاريخية[47].
 
3 - وحدة الأمة:
وإذا كان الدين يحكم الحياة بقيمه ومقاصده وقواعده العامة وأحكامه القطعية[48]، فإن رشيد رضا يعد ذلك كافيًا لوحدة المنهج، ولذلك أعطيت الأمة كل أصل ديني بدليله وحكمته، وكلفت العدل والاعتدال في الأمر كله، هذه الوحدة في المنهج تُعدُّ باعثًا على وحدة الأمة وبيانًا لمكانتها[49]، كما يرى رشيد رضا أن للاختلاف في الدين الدورَ الأكبر في إهلاك الأمم وإفساده للدين نفسه، ولم يذكر كتاب الله هذا المرض الاجتماعي إلا وقد بيَّن علاجه للمسلمين، وهو تحكيم الله تعالى فيما اختلفوا فيه، ورد ما كان من المصالح الدنيوية والأمور السياسية إلى أولي الأمْر الذين هم عنده أهل الحل والعقد؛ كما ورد في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].

 وكأن هذه الآية في نظر رشيد رضا تُحدد مرجعية الأمة عند الاختلاف في سبيل الحفاظ على وحدتها.

لذا نجده يُفَصِّل في مفهومها في السطور التالية:
أما في الأمور الاعتقاديَّة والتعبُّديَّة: فبإرجاعهم إلى ما كان عليه السلفُ الصالِحُ بلا زيادة ولا نقْص، واعتبار ما أجمع عليه المسلمون في العصر الأول هو الدين الذي يدعى إليه، ويحمل كل مسلم عليه[50].

 وفي الأمور الحربية والقضائية والإدارية والسياسية، فبإقامتها على القواعد الشرعيَّة في حفظ المصالح ودرء المفاسد بحسب حال الزمان والمكان[51]؛ لأنها تركيبات من صنع الإنسان، ومهمة الدين أن يوجه واضعي النظم وجهة الخير، وأن يثبت القيَم الخلقية الهادية في وضع تلك النظم وتطبيقها[52]؛ ولأنها من الأحكام الاجتهادية التي لم تثبت بالنص القطعي الصريح رواية ودلالة لا تجعل تشريعًا عامًّا إلزاميًّا، بل تفوض إلى اجتهاد أولي الأمر من الحكام، وأهل الحل والعقد في الأمور السياسية والقضائية والإدارية، ومأخذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].

 ووجهه: أن هذه الآية تدل على تحريم الخمر والميسر بضرب من الاجتهاد في الاستدلال، وهو أن ما كان إثمه وضرره أكبر من نفعه فهو محرم يجب اجتنابه، وذلك ما فهمه بعض الصحابة، فامتنعوا من الخمر والميسر، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم الأمة هذا، بل أقر من تركهما ومن لم يتركهما على اجتهادهما، إلى أن نزل النص القطعي الصريح بتحريمهما والأمر باجتنابهما في سورة المائدة، فحينئذ بطل الاجتهاد فيهما، وأهرق كل واحد من الصحابة ما كان عنده من الخمر، وصار النبي - صلى الله عليه وسلم - يعاقب من شربها، وبناء على هذه القاعدة كان يعذر كل أحد من سلف الأمة من خالفه، أو خالف بعض الأخبار والآثار الاجتهادية غير القطعية رواية ودلالة، ولم يوجبوا على أحد أن يتبع أحدًا في اجتهاده، كما يفعل الخلف المقلدون[53].

 وما عدا ذلك من المسائل الاجتهادية مما يعمل فيه صاحب الدليل بما يظهر له أنه الحق، من غير أن يعادي أو يُماري فيه من لم يظهر له دليله من إخوانه المسلمين الموافقين له في مسائل الإجماع[54].

وأما العامي الذي لا قُدرة له على الاستدلال، فلا يُذكر له شيء من أمر الخلاف، فإن عرض له أمر استفتى فيه مَن يثق بوَرَعِه وعلمه من علماء عصره، وذلك العالم يبين له حكم الله فيه بأن يذكر له ما عنده فيه من آية كريمة أو سنة قويمة، ويبين له المعنى بالاختصار، هكذا كان علماء الصحابة والسلف وعامتهم، وأنى للمسلمين اليوم أن يستقيموا على طريقتهم، وهم فاقدو أولي الأمر الذين تفوض الأمة إليهم أمورها العامة، وتجعلهم مسيطرين على حكامها وأحكامها؟![55].

 وبناء على هذه القاعدة لَم يقبل الإمام مالك - رحمه الله تعالى - من المنصور أولاً، ولا من هارون الرشيد ثانيًا، أن يحمل المسلمين على العمل بكتبه ولا بـ"الموطأ"، الذي هو أصح ما رواه من الأخبار المرفوعة وآثار الصحابة، وواطأه عليه جمهور من علماء عصره[56].

 وبهذا يتَّضِح لنا أن ترسيخ وحدة الأمة عند رشيد رضا يعتمد على غرس قيَم الولاء لله ورسوله وجماعة المؤمنين، وتعميق الوعي الإيماني بأصول العقيدة الإسلامية [57].
 
اللغة العربية من مقومات وحدة الأمة:
الأمة واللغة أمران متلازمان، والذين يتكلمون اللغة الواحدة تربطهم قوانين الطبيعة بروابط عديدة، تجعل منهم وحدة غير قابلة للانفصام، تقوم أساسًا على دعائم أساسية أهمها: وحدة الفكر والعقيدة التي تصنعها وحدة اللغة العربية، بجانب وحدة الضمير والوجدان التي تصنعها وحدة التاريخ.

ويؤكِّد المشروع الإصلاحي لرشيد رضا على هذه العلاقة الوثيقة التي تربط اللغة بواقِع مجتمعها، إذ إنها تحيا بحياة الأمة، وحياة الأمة إنما تكون بعلُومِها وصناعاتها عبر اللغة كأداة للتواصل، والاشتغال بلغة الأمة وآدابها فضيلة في نفسه ومادة من مواد حياتها، ولا حياة لأمة ماتت لغتُها[58]؛ ولذا كان جميع من دخل في الإسلام يشعر بأنه صار أخًا لجميع المسلمين، وأنَّ أمَّته هي الأمة الإسلامية، لا العربية ولا الفارسية ولا القبطية ولا التركية؛ كما قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92][59].

 ويكشف رشيد رضا عن مخططات المتفرنجين ودعاتهم الذين يريدون أن يفرِّقوا بين الأمة على أساس اللغة والجنس، ويؤكد أن الوحدة الإسلامية الدينية الأدبية التي ينشدها المصلحون تتوقف على تعميم لغة الإسلام بين شعوب جميع الشعوب الإسلامية؛ إذ لا تآلف بغير تعارف، ولا  تعارف بغير تفاهم، ولا يسهل التفاهم بين المسلمين إلا بلغة دينهم المشتركة بينهم، وهي العربيَّة التي لم تعد خاصة بالعنصر العربي بالنسب، كما أن الإسلام ليس خاصًّا به[60].

 ويشير رشيد رضا إلى أن معرفة العربية من ضروريات دين الإسلام؛ لأن الله أمرنا أن نتدبر القرآن الذي لا تقوم معجزتُه وحجته إلا بفهمه، ولا يمكن فهمه إلا بفهم العربية الفصحى، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب[61].

 وما جرى عليه الخلفاء الراشدون وعمالهم ومن بعهدهم من الفاتحين الأمويين والعباسيين، يدل على ذلك، فإنهم نشروا لغة الدين في جميع البلاد التي فتحوها مع بُعدهم عن العصبية الجنسية، وعدم التفاتهم إليها في معاملاتهم الاجتماعية والدولية, وجميع المجتهدين والقائلين بوجوب الاجتهاد في الدين يجزمون بوجوب معرفة اللغة العربية؛ لأن الاجتهاد يتوقف على ذلك، كما هو مصرَّح به في كُتُب الأصول[62].

ومن البديهي أن وحدة الأمة لا تتم إلا بوحدة اللغة، ولا لغة تجمع المسلمين وتربطهم إلا لغة الدين الذي جعلهم بنعمة الله إخوانًا، وهي العربية التي لم تعد خاصة بالجنس العربي إذا نظرنا إلى الأجناس - المعبر عنهم في اصطلاح المنطق بالأصناف - من جهة أنسابهم وأوطانهم، ولهذا كان يجتهد مسلمو العجم في خدمة هذه اللغة، كما يجتهد مسلمو العرب بلا فرق، ويعدونها لغتهم؛ لأنها لغة القرآن التي تقوم بها حجته، وهم من أمة القرآن كالعرب بلا فرق؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وفي حديث جابر عند البيهقي وابن مردويه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة الوداع في وسط أيام التشريق: ((يا أَيهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِي، وَلَا لِعَجَمِي عَلَى عَرَبِي، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلْيبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ))[63].

 ثم حدثتْ في الإسلام عصبيَّة الجنسيَّة الجاهليَّة التي حرَّمها الإسلام، وشدَّد في منْعها، بعد أن ضعف العلم والدين في المسلمين بضعف اللغة العربية فيهم، حتى قام بعض الأعاجم في هذه السنين الأخيرة يدعون قومهم إلى ترجمة القرآن بلغتهم، والاستغناء عن القرآن العربي؛ زاعمًا أن الإسلام دين ليس له لغة، وغلا بعضُ هؤلاء في بُغض العربية، فدعا مسلمي قومه إلى الأذان والصلاة والخطبة بلُغتهم، وقد أجمع المسلمون بالعمل على إقامة هذه الشعائر الإسلامية بلغة الإسلام العربية إلى اليوم، وكان من عاقبة هذا الضعف في العلم والدين أن بعض المسلمين في بلاد الأعاجم – كـ"جاوة" التي يقل فيها العلماء العارفون بالدين ولغته، القادرون على دفع الشبه عن القرآن - صاروا يرتدون عن الإسلام لإيضاع دعاة النصرانية خلالهم، وسؤالهم الفتنة بالتشكيك في القرآن والطعن فيه، وأين من يفهمه ويدافع عنه هناك؟! ومنهم مَن صار يفخر بسلفه من الوثنيين والمجوس، حتى بفرعون الذي لعنه الله في جميع كُتُبه[64].

 ولَم يُقمْ رشيد رضا الحجة على وجوب تعلم العربية في فتاوى المنار فحسب[65]، بل ونقل رسالة الشافعي في ذلك[66]، وحذر الدولتين التركية والإيرانية من عاقبة هجر اللغة العربية، وسوء مردود ذلك على الأمة، وإن التفريق الذي نراه اليوم في المسلمين باختلاف اللغات هو من سيئات السياسة ومفاسدها الكبرى، وإذا لم ترجع الدولتان العثمانية والإيرانية إلى السعي في تعميم اللغة العربية في مملكتيهما، فسيأتي يوم تندمان فيه، وإننا لا نعتد بإصلاح في الهند ولا بغيرها من بلاد المسلمين ما لم يجعل ركن التعليم الأول تعلم العربية، وجعلها لغة العلم[67].
 

ــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 2 / 220.
[2] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 4 / 30.
[3] انظر: "العقيدة والسياسة معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية"؛ للؤي صافي، صفحة 67، طبعة دار الفكر، الطبعة الأولى، 2002م.
[4] اعتبرت الدراسات الغربية أن الأمة تأتي حصيلة تفاعُل نوعَيْن من العوامل:
 الأولى: موضوعية؛ مثل اللغة، والتاريخ، والجنس الواحد، والإقليم الواحد، والمصالح المشتركة، والآمال الواحدة، والعادات والتقاليد الواحدة، والثقافة الواحدة... إلخ.
 الثانية: عوامل ذاتية؛ وعي الأفراد بأن لهم شخصية متميزة ومنفصلة تدفعهم إلى التعبير التنظيمي عن هذه الشخصية المتميزة، واعتبرت هذه الدارسات أن تفاعُل النوعَيْن من العوامل سيؤدي إلى تكوين أمة ذات أداء حضاري مشترك وذات وحدة سياسية، وقد أعطى المفكرون الألمان عنصري اللغة والتاريخ الأهمية القصوى في تشكيل الأمة، في حين أعطى المفكرون الفرنسيون العامل التراثي الدور الأول في تشكيل الأمة، واعتبروا أن الدولة هي العنصر الأهم في تحقيق ذلك، فوحدة الأمة وشخصيتها مستمَدَّة من التنظيم السياسي؛ لذلك فإن الدولة سابقة على الأمة، وهي سبب وجودها، والعكس غير صحيح، لذلك هاجم المستشرق الفرنسي رينان عام 1882م عاملي اللغة والتاريخ في محاضرته الشهيرة: ما الأمة؟ فأكَّدَ أن اللغة المشتركة مثلها مثل الأصل الواحد أو الدين أو المصالح كلها غير كافية بذاتها لتكوين أمة، فهي عوامل مساعدةٌ للمعيار الأهم وهو وحدة التراث، فالتاريخُ المشترك أهم عوامل التقريب بين الأفراد وتوليد الرغبة في الحياة المشتركة؛ فتنشأ الأمة التي يكون لها الولاء الأول؛ انظر: "موسوعة العلوم السياسية"، إصدار جامعة الكويت، مادة 257 ص405.
[5] انظر: "السلطة السياسية في الفكر الإسلامي"؛ لمحمد سليمان أبي رمان صفحة 16.
[6] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 90.
[7] انظر: "الأمة والدين والسلطة"؛ مقالة لهشام جعفر في موقع إسلام أون لين قسم الفكر السياسي.
[8] انظر: "الأعمال الكاملة"؛ للإمام محمد عبده؛ 2 / 310، دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة، طبعة دار الشروق / القاهرة 1993م، "تفسير المنار" 1 / 236.
[9] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 236.
[10] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 93.
[11] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.
[12] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 389.
[13] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.
[14] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.
[15] انظر: "الأمة والدين والسلطة"؛ مقالة لهشام جعفر في موقع إسلام أون لين قسم الفكر السياسي.
[16] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 7.
[17] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور/ سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.
[18] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 7.
[19] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور/ سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.[20]   انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 120.
[21] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 193.
[22] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 258.
[23] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا1 / 258.
[24] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 4 / 30.
[25] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 4 / 38.
[26] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 4 / 24.
[27] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 4 / 24.
[28] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 4 / 24.
[29] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 89.
[30] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 89.
[31] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 4 / 23.
[32] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 2 / 9.
[33] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 112.
[34] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 6 / 347.
[35] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 6 / 347.
[36] انظر: "خصائص التشريع الإسلامي"؛ لفتحي الدريني صفحة 25.
[37] انظر: "الأمة الإسلامية مفهومًا وخصائص"؛ لسمير أبي دينار، مجلة حراء العدد 1 الصادر في أكتوبر 2005.
[38] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 197.
[39] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 7.
[40] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 7.
[41] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 2 / 203.
[42] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 14.
[43] رواه مسلم من حديث جرير بن عبدالملك البجلي، باب الحث على الصدقة، حديث رقم 1691، وفي باب من سن سنة حسنة أو سيئة حديث رقم 4830، والنسائي في باب التحريض على الصدقة حديث رقم 2507، والترمذي بلفظ ((مَن سن سنة خير... ومن سن سنة شر...))، حديث رقم 2599.
[44] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 51، 52.
[45] إشارة إلى قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
[46] "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 2 / 172.
[47] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور/ سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.
[48] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور/ سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.
[49] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 2 / 7.
[50] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 11.
[51] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 11.
[52] انظر: "مركزية القضية التربوية في فهم واقع الأمة وأسباب تخلفها"؛ مقال للدكتور/ سعيد إسماعيل علي، مجلة إسلامية المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي العدد 29.
[53] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 99.
[54] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 11.
[55] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 3 / 11.
[56] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 99.
[57] انظر: "خصائص الأمة الإسلامية الحضارية كما تبينها سورة: المائدة"؛ لإبراهيم زيد الكيلاني، صفحة 25، الطبعة الأولى طبعة جمعية المحافظة على القرآن الكريم.
[58] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 24.
[59] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 25.
[60] انظر: مجلة المنار 13 / 12 / 905.
[61] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 25، 26.
[62] انظر: مجلة المنار، "فتاوى المنار"؛ محمد رشيد رضا 12 / 12 / 900.
[63] رواه البيهقي في شعب الإيمان، من حديث جابر - رضي الله عنه - حديث رقم 4921، ورواه أحمد في المسند، حديث رقم 22391، ورواه الطبراني في "الأوسط"، من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - حديث رقم 4905.
[64] انظر: "تفسير المنار"؛ لمحمد رشيد رضا 1 / 25.
[65] انظر: مجلة المنار، "فتاوى المنار" 6 / 13 / 506، 12 / 12 / 900، 17 / 8 / 589، 29 / 9 / 659.
[66] انظر: مجلة المنار، "فتاوى المنار" 17 / 8 / 589.
[67] انظر: مجلة المنار، "فتاوى المنار" 6 / 13 / 506.

http://www.alukah.net/Culture/0/9330/

تعليقات

المشاركات الشائعة