نريد منهج نبينا لا منهج المهووسين بالدين!

يقول الشريف حاتم العوني :
لو ارتكب رجل كبيرة من الكبائر ، مما ليس فيها حد ، لكنها من كبائر الذنوب ، ثم لما قبض عليه ، هرب ، واستجار بأحد ذوي الجاه . ثم بلغ أحد الصالحين خبره ، فلم يأمر القابضين عليه بشيء ، مع أن له سلطانا يقدر به إعادة القبض عليه ، ومع ذلك فلا طالب أحدا بتعقبه ولا بمعاقبته ، بل ضحك من طريقة هروبه !! هل سيكون عند بعضنا هذا المسؤول الذي كنا نظنه صالحا إلا صاحب برودة في الإيمان !! وصاحب نقص في الغيرة على محارم الله !!
ولكن قبل أن تتعجلوا في الحكم : هل تعلمون أن هذا هو ما وقع مع أخشع الناس وأتقاهم : رسول الله صلى الله عليه وسلم !!!
ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحاكم وصححه ، وقوى ابن حجر إسناده ، وهو كما قال بإسناد صحيح : عن ابن عباس قال : ( لم يقت [أي لم يوقت] رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر حدا ، فشرب رجل ، فسكر ، فلقي وهو يميل في الفج [ أي في الطريق] ، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما حاذى دار العباس ، انفلت ، فدخل على العباس ، فالتزمه ، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فضحك ، وقال : أفعلها ؟! ولم يأمر فيه بشيء) .
فلماذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
هل يزيد على أن يكون ضحكه بسبب هذا الموقف المضحك ، من احتضان هذا المسلم السكران لعمه العباس بن عبد المطلب لاجئا إليه ؟
وهل تعارض ضحكة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه شدة غيرته على محارم الله التي لا يساويه فيها ولا يقاربه أحد ؟!
هل يمكن أن يفعل أحد مثل هذا الموقف في كبيرة من الكبائر التي لا حد فيها ، ثم لا يتهم في دينه ؟!!
كما ثبت عن ابن عباس أنه قال أيضا : ( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرا ، لقد غزا غزوة إلى تبوك ، فغشي حجرته من الليل أبو علقمة بن الأعور السلمي وهو سكران ، حتى قطع بعض عرى الحجرة ، فقال صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ قالوا : أبو علقمة سكران ، فقال : ليقم إليه رجل فليأخذ بيده حتى يرده إلى رحله ) .
هذا هو لطفه صلى الله عليه وسلم مع مرتكب الكبيرة ، وهذه رقته ورحمته مع من بلغ به السكر أن آذاه ، فيأمر مع ذلك بمن يأخذ بيده إلى مرقده !! في مشهد يفيض تسامحا ورأفة !!
وهنا أنبه : أن هذين الخبرين يحكيان قصتين وقعتا بعد تحريم الخمر ، ولم أتدخل في كونها بعد إيجاب الحد أو قبله ، إذ يكفي أنها بعد تحريم الخمر التي هي أم الخبائث وهي من كبائر الذنوب ، وأن هذه هي رقته ورحمته صلى الله عليه وسلم مع شارب الخمر . ىنتى كلامه .
وأضيف هذا الحديث الذي يضحك فيها النبي في سياق حديث مع مرتكب كبيرة!
عن على قال جاء رجل إلى رسول الله فى شهر رمضان فقال يا رسول الله إنى قد هلكت قال (ص)وما ذاك قال باشرت أهلى فغلبتنى شهوتى حتى فعلت فقال هل تجد عتقا قالا لا والله ما ملكت مخلوقا قط قال فصم شهرين متتابعين قال لا والله لا أطيقه قال فانطلق فأطعم 60مسكينا قال لا والله لا أقوى عليه فأمر له رسول الله ب15 صاعا لكل مسكين مد فقال يا رسول الله والذى بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا قال فانطلق وكله أنت وعيالك 2(زيد)عن أبى هريرة 00فى شهر رمضان 000الله بعتق رقبة00فقال إنى لا أجد بعرق تمر فقال 000فقال يا رسول الله ما أجد أحوج منى فضحك رسول الله حتى بدت ثناياه ثم قال كله 3،عن سعيد بن المسيب قال أتى أعرابى إلى رسول الله ينتف شعره ويضرب نحره ويقول هلك الأبعد فقال رسول الله وما ذاك قال أصبت أهلى فى رمضان وأنا صائم فقال له رسول الله هل تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تهدى بدنة قال لا قال فاجلس فأتى رسول الله بعرق تمر فقال فخذ هذا فتصدق به قال ما أجد أحوج منى قال فكله وصم يوما مكان ما أصبت قال عطاء فسألت سعيدا كم ذلك العرق قال ما بين 15 صاعا إلى 20 ،4(الشافعى )عن أبى هريرة قال أتاه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك قال وقعت على امرأتى فى رمضان قال هل يستطيع أن تعتق رقبة قال لا فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم60 مسكينا قال لا قال فاجلس فجلس 000فيه تمر والعرق المكتل الضخم فتصدق به فقال ما بين لابتيها أحد أفقر منا فضحك النبى حتى بدت أنيابه قال خذه فأطعمه أهلك .
-------------
هذا نبينا أخلص الناس وأتقاهم لله لم يكن تتعارض تقواه مع مواقفه هذه!، ولكننا الآن نرى الصحوة المعاصرة مهووسة بالدين كما هو ظاهر في تعاملهم وردودهم على المخالفين والضالين!!! فمن أين أتى هذا الخلل عندهم؟ هذا الخلل ليس وليد خطأ في مسألة جزئية حتى أفرد فيها الكلام بأدلتها! ولكنه وليد منظومة تعليمية كاملة والحل هو في إصلاح هذه المنظومة الكاملة التي كانت هي السبب - المعقد المتشابك في نشوء هذا الخلل - المنظومة الخاطئة هي طلب العلم من كتب الأقدمين في حين أنها طلب العلم منها يجب أن يكون على يد علماء جهابذة اطلعوا على العلوم العصرية ليستطيعوا سد الثغرات التي ستوجد في ذهن القارئ أثناء قراءته في الكتب القديمة لطبيعة فرق السنين بين زمانه وبين زمان تأليف هذه الكتب وكم المتغيرات الجبارة التي حدثت في هذه السنين، فهذا العالم العصري يستطيع سد هذه الثغرات، ولكن للأسف هذا العالم العصري غير موجود الآن سوى أفراد!! والطالب الآن يقرأ هذه الكتب بمفرده فلا يستطيع سد هذه الثغرات ثم بشكل تلقائي طبيعي يملأ الشيطان هذه الثغرات عنده لأن " الفارغ لا يظل فارغا أبدا" كما يقول الشيخ محمود شاكر، والهوس بالدين ناشيء عن هذه الثغرات وهم ظنوا أن هذا الهوس بالدين هو الحمية المشروعة والوسطية الواجبة!. وطريق التصحيح هو طلب العلم من كتب الأئمة المجددين الذين خلقهم الله في هذه العصور فاجتهدوا واستنبطوا المنظومة الدينية وحقيقة النفسية المتدينه المجاهدة من مصادر الدين الأصلية والسيرة النبوية وهؤلاء هم من أول محمد عبده ورشيد رضا ومحمد دراز ونحوهم - ولا نتبع أخطاء أحادهم - هذه الكتب لا أقول تُقرأ فقط! فالقراءة ثقافة!، ولكنها يجب أن تُحفظ ويُمتحن فيها ولذلك على علماءنا تقريرها في المعاهد العلمية .
تنبيه: في تحقيق الدكتور دراز لمعنى الوسطية في مسائل الدين ومتعلقاته قال ما معناه : إن أمر الوسطية من الصعوبة بمكان بحيث لا يمكن أن يعرف مهما حصل الناظر من أدوات العبقرية والعلم العميق!! سوى بالتوفيق !! وهذا كلام علمي لا " إيماني وعظي" كما هي العادة عند من يتكلم في هذا السياق!!! ومن أعظم عقلا وعلما من هؤلاء المجددين الذين اجتمعت عليهم كلمة الأمة كلها في زمنهم وما زالت كتبهم الى الآن تشكل فتحا جديدا للمكتبة الاسلامية وسجل الفكر الاسلامي الأصيل رغم مرور عقود طويلة بيننا وبينها!!

تعليقات

المشاركات الشائعة