منهج الدكتور محمد دراز في معاملة التغريبيين

هذه رسالة توضح لنا خلاصة تجارب عالم كبير وكيف فهمه لإدارة الحوار بين الاسلاميين والتغريبين بما نستضئ به في ردودنا مع التغريبيين – و لاحظوا الرسالة تتكلم عن الردود! فالتزام هذا المنهج في الحوار والمناظرة من باب أولى وقريبا إن شاء الله سأنقل منهج الدكتور في التعايش مع التغريبيين أهل العقائد المنحرفة مهما بلغ انحرافها وضلالها! فهو عالم كبير من خيرة من أنجبه الأزهر الشريف في هذا العصر الحديث، ونحن أولى الناس بإتباع هدي هؤلاء الأئمة في مثل هذه المسائل والنوازل الحديثة على مجتمعنا الاسلامي -.



يقول العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز" – رحمه الله - في التحذير من ضلالات من دعاة التشكيك والبلبة أهل التغريب الموجودين بكثرة في بلاد الإسلام في فترة الدولة المدنية الحديثة، ودعوتهم إلى الحق، وذلك فيما كتبه الدكتور " دراز" ردًا على خطاب من الشيخ " محمود عبد الوهاب فايد" يطلب رأيه فيما يكتبه من ردود في مجلة الاعتصام إعلاءً لكلمة الله تعالى ودفاعًا عن دينه ، وهذا نص الرسالة كما أوردها الشيخ "أحمد فضلية" - وهو يعمل على إخراج ما لم يُطبع من تراث الدكتور دراز- كما أوردها في كتابه : الإمام المجدد "محمد عبد الله دراز" سيرة وفكر ) ص 236:


من الشيخ محمود عبد الوهاب فايد إلى الدكتور محمد عبد الله دراز:


بسم الله الرحمن الرحيم


إلى الرجل الذي يحب الحق ويقدر أهله فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمد عبد الله دراز أعزّه الله ،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:


أما بعد: فلم يسبق لي التعرف بك، ولم تتهيأ لي فرصة للقائك – وقد كنت أود أن أقدم إليك هذه المقالات التي كتبتها في ظروف مختلفة إعلاءً لكلمة الله ودفاعًا عن دينه - وفي اعتقادي أنك ستجد فيها ما يسرك أن تقرأه، وما يعجبك أن تطالعه - ستقرأ ردًا لي على السيد " محمد أنور السادات" بعنوان " لا تتعصبوا للدين" وستقرأ ردًا لي على الأزهر في العدد الأول السنة السابعة من مجلة الاعتصام من صحيفة 10 إلى 18 وستقرأ كلمة قوية وجهتها إلى رئيس نور الإسلام في العدد الحادي عشر السنة السادسة عشرة ص 34 وقد انتهزت الفرصة لأعلن حكم من لم يحكم بما أنزل الله من كلام علمائنا القدامى والمحدثين – وأنه ليسرني أن تقرأها وأعرف رأيك فيها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(*).


محمود عبد الوهاب فايد.


رد الدكتور "دراز" :


من مصر الجديدة في 18 من شعبان 1374 هجرية


إلى الأخ المجاهد في الله، السيد/ محمود عبد الوهاب فايد


سلام الله عليكم ورحمته وبركاته:


لقد تناوت بيد الشكر كتابك الرقيق، وقرأت الرسالات الثلاث التي أشرت إليها فيه وكنت قرأت بعضها من قبل، فأعدت اليوم قراءتها إجابة لرغبتك، إذ طلبت إلي إبداء رأيي فيها.. وعجبت أن تسألني رأيي، فهل في الأمر خفاء يستجلى بالرأي؟


أم لعلك قصدت أن أصف لك مدى الأثر الذي أحدثه بيانك في نفسي، وأن أردد عليك صدى وقعه في قلبي... فليت شعري كيف أصور لك ذلك؟ ألست تعلم أن لا متعة في هذه الدنيا أمتع لروح المؤمن من أن يعيش بها لحظات في مشاهدة هذا الصراع الأحمس بين الحقيقة التي يؤمن بها ويواليها، وبين الضلالة التي يمقتها ويعاديها، وأن يرى الحق في كل جولة من هذا الصراع فائزًا منصورًا، ويرى الباطل في كل مرة مهزومًا مدحورًا؟... يا له من مشهد يشفي صدور المؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم، ويا لها من سكينة تتنزل عليهم، وتزيدهم إيمانًا إلى إيمانهم، غير أنه يلوح لي أن في المعسكر الذي نصارعه فئتين مختلفتين، فئة انحازت إلى جانب الغي فاتخذت سبيلها تنافح عنه وتدعو إليه، وفئة لم تفارق سبيل الرشد، ولم تتعود الصد عنه ولا الخروج عليه، ولكنها بحسن قصد، أو بغير قصد، قد تزل قدمها، أو يعثر قلمها، بكلمة مشبهة ربما كانت فتنة للجاهلين، لو لم يكشف قائلها عن وجه الصواب فيها... فلا يكونن حكمنا على الفئتين سواء، ولا يكونن سلاحنا في جهادهما سواء.


إنني لست أدعو بذلك إلى إغفال نصيحة بالمؤمن، ولا إلى الإغضاء عن زلة العالِم، ولا سيما إذا كانت كما قيل مدرجة إلى زلة العالَم... ولكن ليكن ذلك في أسلوب أرفق وأوفق يكون له عونًا على شيطانه، ولا يكون عونًا لشيطانه عليه، ولنكن أذلة على المؤمنين نقيل عثرة العاثر منهم، ونتلمس طريق فيئته إلى الصواب، بدل أن نمض في تعنيفه وملامته، فيمعن هو في مسائته، ولنذكر الأدب الأسمى الذي أدبنا به كتابنا الكريم { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} هذا في شأن من لم يتشرف بإخوة الإيمان، فكيف بالمؤمنين؟


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


محمد عبد الله دراز.


تعليقات

المشاركات الشائعة