هل قومنا مقتنعون حقا بأفكارهم الدينية والديمقراطية أم يتاجرون بها فقط؟

هل قومنا مقتنعون حقا بأفكارهم الدينية والديمقراطية أم يتاجرون بها فقط؟

هناك فرق بين الأزمة الفكرية أو المنهجية وبين الأزمة العقلية (لا مجال هناك لتخصيص الحديث عنهما)
فالأزمة الفكرية يُتصور وجودها في أعقل أهل الأرض كمفكري أوروبا المعاصرين وكأئمة الإسلام كالغزالي وابن تيمية والشاطبي...، أما الأزمة العقلية فيستحيل وجودها في شخص تصح نسبته إلى العلم وأهله حتى لو كان طالب علم صغير!
لكن إذا قدّر الله على مجتمعنا كما هو مقدرا الآن أن يعلو قوم يكون لهم بعض الأتباع والإمكانيات وإن قلوا مما يجعل صوتَهم الخفيض حقيقة يعكس وهمًا أن صوتهم تعبير صادق عن وزن ضخم هو وزنهم الحقيقي في المجتمع، إذا حدث ذلك وكانت أزمة هؤلاء عقلية ثم نشطوا في المجتمع، وقعوا في أخطاء فكرية وتطبيقية، فإذا رءا تلك الأخطاء من لم يعانوا من أزمة عقلية (كالعوام وطلاب العلم والعلماء) استنتجوا هذا الحكم: أنه يستحيل كون هؤلاء أخطأوا عن جهل أو عن اقتناع حقيقي صادق بخطئهم، مما يعني أنهم منافقون يتعمدون الخطأ لأسباب وهي تتلخص في الخيانة الدولية أو تكوين الثروات أو إنفاذ الحقد والغل على مجتمعهم.
هذا حكمهم لأنهم لا يعلمون الفرق بين الأزمة الفكرية والأزمة العقلية، بل ربما لم يتصوروا إمكانية ظهور قوم ما في المجتمع بعد نشاطهم فيه لمدة 20 أو 40 سنة وتكون أزمتهم عقلية! فكيف إذن راج أمرهم على أتباعهم؟! يا للعجب يا للحيرة!
هذا العجب وذلك الحيرة يجعل كثيرًا من العوام يصاب بعقد نفسية إما من الدين ذاته (لو كان القوم يعلنونه كدافع لهم) أو الفكر والعلم (لو كان القوم يعلنونه كدافع لهم) ومن أصحابهما الآتيين في المستقبل والذين قد يكونون صالحين وعلماء حقا!
أصحاب الأزمة العقلية هم المسيطرون على مجتمعنا على كافة اختلافاتهم من إسلاميين(على ما فيهم من اختلافات) إلى مدنيين (على ما فيهم من اختلافات) وأمثلة تجلي أزمتهم العقلية التي يستنتج منها العوام ولاطب العلم الحكم السابق ذكره كثيرة منها،
المثال الأول: قرأت لعدد من أكابر المفكرين الإسلاميين الثوريين يصرون على ضرورة قيام ثورة أخرى في مصر ولو مع احتمال مؤكد بقتل آلاف مؤلافة فيها ويستدلون على ذلك بالحرب العالمية الأوروبية التي هلكت فيها أرواح آلاف مؤلفة ثم نهض الغرب (حيث هم يتوهمون علاقة بين ما الغرب فيه اليوم وبين هذه الحرب!) وعلى أي حال فالحرب هذه تخللت عصر النهضة الأوروبي مما يقيم لوهمهم شأنا.
 وحين يشيعون هذا الاستدلال في الناس ويدعونهم إليه تحدث صدمة لدى الناس لأن قبح التعرض للقتل الفردي مغروز في الفطرة ولا يكون حسنًا إلا لضرورة كضرورة حرب أكتوبر 1973 مثلاً، فأي ضرورة اليوم في القاهرة لأن يتعرض آلاف وملايين لا أفراد فقط للقتل في ثورة؛ لا سيما والناس ترى آثار هذه الثورات في القاهرة قبيحًا للغاية  وهو أقبح في سوريا واليمن وغيرها! مما يجعل هؤلاء الناس يقيسون أنفسهم على هؤلاء الداعين للثورة (من إسلاميين ومدنيين) فيُحيلون كون اعتناقهم لهذا الفكر نابعًا عن قناعة حقيقية، ويحكمون بكونه نابعًا عن تجارة بالدين أو بالديمقراطية،  وفي المقابل يزداد هؤلاء الداعين تطرفًا وحقدًا على الناس حين يرونهم يعبّرون عن حكمهم هذا بألفاظ وعبارات تتفاون في صراحتها ما بين التلميح والتصريح.
لا شك أن الفطرة قاضية بحكم الناس هذا، حتى أن القرآن الكريم وإجماع علماء الإسلام نصّا على قبول توبة الكافر ثم اختلف هؤلاء العلماء في قبول توبة المسلم القاتل! لعظم جريمة القتل عند الله، وقد ازداد عجبي حين رأيت هذا الحكم الفطري كان حادثًا وسائرًا في أوروبا بُعيد الحرب العالمية، فكيف تعطّل هذا الحكم وغاب عن أذهان قومنا رغم تباين الظروف بيننا وبين أوروبا أثناء قيام هذه الحرب فيها، تباينًا لصالح أوروبا إذ كانت حينها متقدمة تكنولوجيا وفي فترة انتقالية ديمقراطيًا؟! دليل سريان هذا الحكم هناك من كلام "برتراند راسل" حيث يقول في كتاب "النظرة العلمية":"الحرب العالمية الولى والثورة الروسية قد جعلتا من كل هيّاب رجلاً محافظًا"
المثال الثاني: في نقاش بيني وبين شيخي العلامة الدكتور "حاتم العوني" بمناسبة خبر أذاعته الجرائد في مصر من أن أحد شيوخ الجهل يجمع كتبه من السوق ليحذف منها أراءه التي اثارت اشمئزازا وجدلا في المجتمع المصري، قال لي الدكتور ما خلاصته: شيوخ الجهل الذي كانوا يكفِّرون الديمقراطية قبل ثورة 25 يناير ثم كوّنوا الأحزاب بعدها ما السبب في هذا التناقض؟ قلت له السبب أنهم مقتنعون صدقًا بمذهبهم الجديد لكنهم لا يشعرون بهذا التناقض مهما أشعرهم به أحد! فقال لي متعجبًا لو لم يشعروا به كما تقول لكان ذلك هو الجنون؟! وكأن الدكتور يريد أن يقول إنهم ليسوا مجانين كما نعلم إذن فكلامك عن حقيقة دافعهم كلام غير سديد! وبالطبع لست أعلم من شيخي، ولكني لمست منهم ما لم يلمسه هو وعرفت عنهم ما لم يعرفه بحكم مخالطتي الشديدة لأحدهم (كمًا ونوعًا)
المثال الثالث: تجدونه في هذا المقال بعنوان "حول أهل ما بعد العجز" هذا رابطه
https://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2016/04/blog-post_29.html?m=1
فيا لله أي بلاء هذا الذي ابتلينا به من هؤلاء الكوارث الذين حلوا بمجتمعاتنا؟!!
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة