هل نقص التمويل الحكومي والأهلى هو سبب تخلفنا العلمي؟

هل نقص التمويل الحكومي والأهلى هو سبب تخلفنا العلمي؟
التقرير الدولي لهذا العام كانت مصر فيه في أدنى مستوياتها في مؤشر البحث العلمي في العلوم الطبيعية، وأجمع علماء مصر الذين نشرت "البوابة نيوز" تعليقاتهم على هذا التقرير، أجمعوا على أن سبب هذا التدهور الملحوظ هو نقص التمويل الحكومي! أما العلوم الانسانية فكذلك، يرجع علماؤها في بلادنا سبب تخلفهم إلى نقص التمويل الحكومي وجهل المجتمع بقيمة العلم (يقصدون سطحيتهم حيث يسمونها علمًا!) سنتحدث الآن عن كذب هم الدعوى وبراءة الحكومة وإدانة العلماء في العلوم الطبيعية لا الإنسانية فالأمر في إثبات ذلك فيها أهون بكثير جدا.
لو فهمنا كيف نشأت النهضة العلمية الطبيعية في أوروبا لعرفنا دجل علماءنا، أوروبا لم تكن غنية ماديًا بهذا الشكل الحاضر سوى قريبا، أما من مئات السنين فكانت في عصور مظلمة كعصر العرب المسلمين اليوم! وبالتالي لم تكن هذه الأونة تمول العلم بل كانت تحاربه، وبالرغم من ذلك نشأت فيها رجالات العلم الذين لهم الفضل والسبب في كل إنجازات أوروبا العلمية الحديثة جدا كما يقول "برتراند راسل" في كتابه "النظرة العلمية" وعدّد هؤلاء الرجال وتحدث عنهم وها هي أسمائهم مع تواريخ ميلادهم

جاليليو (1524-1642) كيلر (1571-1630) نيوتن (1642-1727) داروين (قديم أيضا) بفلوف (1894) إلى كثيرين غيرهم في أزمنتهم لهم إنجازات لكن "راسل" خصص هؤلاء في بحثه كعناوين فقط، ثم تحدث عن غيرهم في سياق شرحه للنظرة العلمية كهيوم وكانت وديكارت وغيرهم ممن نشأوا في تلك الأزمنة البعيدة، وكانت محاكم التفتيش الرسمية تضطهدهم وبالطبع لم يكن هناك اعتناء حكومي بالمال لكثير منهم، وكانت هناك اضطهادات شخصية ومضايقات تلاحقهم، وبالرغم من كل ذلك كافحوا وصار لهم طلاب في زمانهم، وأخذوا بالممكن (رغم صعوبته) ولم ينتظروا مساعدة حكومية ولا أهلية! وهكذا مرت بعدهم أجيال درست جهودهم فوجدت فيه أخطاء كبيرة لكن صوابه كان هو العمود الذي قامت عليه إبداعات أخرى حتى وصل الغرب إلى ما نراه اليوم!
هذه التجربة الأوروبية المعاصرة تدل على أن الخلل كامن في عقول علماءنا لا في الحكومة ولا في الشعب! بل إن أكبر علماءنا في العلوم الإنسانية اليوم كونوا ثروات من مؤلفاتهم التي ليس فيها شيئا يستحق الاهتمام الكبير! (كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري) الذي هو من ذات صندوقهم وذات إطارهم العقلي!
 كثير منهم ومن علماء العلوم الطبيعية في بلادنا ينعم بالمرتبات المجزية والتفرغ للعلم، ولكن "من بطّأ به عقلُه لم تُسرع به أموالُه ولا أوقاته"
 هؤلاء هم أخطر كارثة حلت ببلادنا لأنهم يزيفون الوعي العلمي بالاضافة إلى أنهم يعلقون فشلهم على الحكومة وعلى الناس، وهذا التعليق هو أخطر ما تواجهه بلادنا اليوم لأنه يتسبب في ضرب المجتمع بالدولة وتدميرها لصالح حياة الفوضى والهمجية التي وقعت فيها بعض بلادنا! رغم أن الحكومة أنفع للمجتمع منهم مئة مرة، فالحكومة تقدم أمنًا وطعامًا وماءً وكهرباء... حتى في ظل بساطة هذه الخدمات فهم أفضل من علماءنا المتخلفين الذين يقدمون "دش فارغ" يسودون به الورق ويسمونه بالوهم "فكر علمي" فيزيفون الوعي فكانوا حجر عثرة في وجه أي رجل تنويري مجتهد ينجح في أن "يفكر خارج الصندوق"
 هم في الحقيقة "أفواه تستهلك ولا تنتج" أما الحكومة فكفاها ما تقدمه من خدمات تسد عوزا وتقضي حاجة مهما افترضنا أنها بسيطة!
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة