فوائد على محاضرات الدراسات القرآنية للدكتور طه العلواني (2)

واجب اللقاء:منهج القرآن الكريم في توحيد الأمة والحالة المصرية نموذجا.
إذا أراد أهل مجمتمع بشري ما - بغض النظر عن ديانته- أن يجتمع؛- إذ كون الاجتماع قوةً عظيمة معروف بهداية العقل وحدها ولا تتوقف معرفته على هداية الدين، ثم تضافرت هداية الدين بعد هداية العقل على الحض على الاجتماع كنورعلى نور- إذا أرادوا ذلك فيجب أن يبحثوا عن أهداف ومقاصد كلية كبرى عامة ينطبع بها المجتمع كله ولا يسمحون لجزئيات الحياة ودروب تفاعلاتها (الفكرية والعملية) أن تحظى باهتمام كالاهتمام الذي تحظى به المقاصد العامة بحيث تكون أهم منها فيضَحى بالمقاصد أو ببعضها من أجل التشبث بالجزئيات هذه، ولئن كان الاتفاق في كل شيء هو زيادة اجتماع وقوة لكن الواقع الحي وقدَر الله لا يأتي على هوى الأشخاص، ولكنهم هم الذي يأتون عليه ويجب عليهم –كعقلاء- أن يتعاملوا معه بحكمة ولا يتجاوزوه ويقفزوا فوق الحقائق، فحين يكون الواقع متفرقًا أهله على أفكار ومذاهب شتى يجب على العقلاء أن يبحثوا عن المشتركات فيما بينهم ويطالبون بتفعيلها كأولى الأولويات وأن يجتمع عليها، هذا و في الوقت ذاته يحدث نقاش وحوارات حول التفاصيل المختلف فيها بهدف الاهتداء إلى الحق فيها ثم الاجتماع عليه كزيادة في قوة التآلف، وإلى أن تحدث تلك الزيادة يجب الاجتماع على المشتركات الكبرى وعدم السماح لحوار التفاصيل أن ينقضها فنقدمها عليها فنكون طائفيين والطائفيون هم من يعلون شأن التفاصيل المختلف فيها على المشتركات فلا هم يسمحون بالاجتماع على المشتركات ولا هم –بالطبع وبالتالي- يتمكنون من أن يجمعوا الناس على التفاصيل.
قد وجدنا الأمم الكافرة اليوم اجتمعت على هذه الأسس وكل منها يتخير ما يراه أهدافا عامة صالحة لذلك بحسب ما تمليه عليهم أيديولوجيتهم أو عقيدتهم، وإن لم تكن المشتركات موجودة كلها في عقل أهل المجتمع فكان منها المغفول عنه ويحتاج لتذكير وتنبيه، وكانت بعضها غائبة بالكلية فيجب علينا إظهار الغائب ودعوة الناس إلى الاجتماع عليه لتتسع مساحة المقاصد العامة، وفي حالة الأمة الإسلامية سنجدها كلها متفقة على أمور عدة منها تعظيم دين الإسلام وضرورة إيجاد العدل الغائب في كافة مجالات الحياة و على أننا نعاني من جهل في كافة مجالات العلم حتى الديني، كل مجتمعاتنا متفقة على ذلك (عدا القلة الفاسدة في قمة الهرم السياسي) أو على الأقل جزء كبير من مجتمعاتنا متفق على كل ذلك، وكان من المفترض فعله على المصلحين الإسلاميين أن ينموا هذه المشتركات بالتأكيد على هداية القرآن الكريم وأمره بالاعتصام بحبله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } وفي سبب خيرية الأمة قال الله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وتأكيد القرآن الكريم على مفهوم الأمة كأهم المفاهيم ، فيشرح المصلحون هذه المقاصد وأمثالها وبيان علاقاتها بتفاصيلها المجردة ثم تفاصيلها المعاصرة ومجادلة من يحاول هدمها، وذلك الجدال بالتي هي أحسن وهو مما أعلى شأنه القرآن الكريم من ضمن أصول كثيرة وكليات تكررت في آيات القرآن الكريم بمختلف الأساليب لتتخذها الأمة مقاصد وأهداف عامة مشتركة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} أي بالقرآن الكريم، ويدعون إلى وضع سلم الأولويات والاهتمامات بالشكل الذي دعا القرآن الكريم إليه.
فلو جئنا إلى الحالة المصرية سنجد تيارات كثيرة أغلبها مخلص في إرادة النهوض بالمجتمع ولكنهم كلهم ضلوا سبيل الهداية إلى المشتركات (الموجودة في الواقع الفعلي وتحتاج لتنبيه وتذكير) والموجودة في النص القرآني (ولم تنكشف بعد إلى الواقع العقلي للمصلحين وأفراد المجتمع) وكل من هذه التيارات تضل بشكل مختلف عن أختها، وحين ندرس كلا منها سنجدها مختلفة ومتفاوتة في درجات البعد أو القرب عن المشتركات، فمثلا سنجد بعض التيارات التغريبية مصرة على تكرار تجربة النهضة الأوروبية المعاصرة حيث قامت على أنقاض الدين ويرون ذلك التكرار ممكنًا ويسعون إليه، وتيارات أخرى إسلامية يهتم بعضها بالوصول إلى السلطة السياسية في البرلمان والوزارات والحكومة ويرون هذا الهدف هو مفهوم الحاكمية التي حضت آيات القرأن الكريم عليه وهم بذلك لم يحرروا هذا المفهوم جيدا ولم يعرفوا معناه الكامل في القرآن المجيد، ولم يفكروا في ما سينفذونه إذا وصلوا إلى السلطة وما إذا كان ممكنا تنفيذ بعضه وهم خارج السلطة أم لا؟ ويرون أن ما هم عليه هو المشتركات الكفيلة بوحدة الأمة والواجب دعوة الآخرين إليها، وتيارات إسلامية أخرى ترى غير ذلك كمن يرى نشر العلم الشرعي وأنشأ لذلك مناهج معرفية سماها علما شرعيا ويراها تحوي المشتركات، وإذا نظرنا إليهم – كشأن غيرهم من التيارات الإسلامية - وجدناهم يفرقون بين الناس بل بين المصلحين الإسلاميين أمثالهم بسبب تفاصيل اختلف فيها الأئمة السابقون وزل بعضهم فيها ولم يتفرقوا عليها كهذا التفرق في مثل ظروفنا الخطيرة التي لا تحتمل تفرقا كهذا، وتفريق الناس عليها يعني افتراض خبث النية وجحود الحق بعد علمه، وهم لم يعلموا ما في القلوب بل المعلوم أن الأئمة الأعلم منا زلوا في هذه التفاصيل، مما يعني أن المشكلة متعلقة بعدم التمكن من العلم، ومن مقاصد القرآن الكبرى عدم مؤاخذة من لا يعلم أو لا يتمكن من العلم (لظروفه المختلفة) بل ونذهب إلى أبعد من ذلك لنقول إن إثارة الجدل في هذه المباحث والتفرق عليها بأصله وكليته ليس مما يحتاجه المسلمون في شيء وأن هناك مباحث معاصرة فرضت نفسها على الساحة تحتاج إلى مواجهتها بالبيان فأين هم من المقصد القرآني العظيم {{ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب إِلَّا لِتُبَيِّن لَهُمْ الَّذِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ }} و{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فلما لا يجادلون أهل الفكر المسيطر علينا؟ بل سنجد أنهم لا يعرفون أن هذا واجبا عليهم أصلا، ولا أن هذا الفكر المسيطر علاقته وطيدة ومتداخلة مع موضوع الإسلام! فهم في ظلمات كثيرة كهذه، كاهتمامهم بالشكليات اهتماما مبالغا فيه يضيع التوازن الديني المطلوب، وفهمهم السقيم في نصوص الدين بعامة كافتتانهم بالرواية والأسانيد والانشغال بها عن القرآن الكريم ومقاصده، وهكذا ستجد ... إلى آخر قائمة التيارات الإسلامية الكثيرة التي تفرقت على تلك الشكليات والتفاصيل التي تفرق ولا تجمع وصدق فيهم قول الله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} فمما يدخل في معنى المتشابها ما اختلف فيه كبار المجتمع واشتبه عليهم وجه الحق فيه ولم يتمكنوا من تحريره، فيأتي الزائغون الطائفيون يتبعون هذه المتشابهات ويعلون شأنها وكأنها توازي المحكمات والمقاصد العظمى في الأهمية بل تعلوها وتنقضها!. وكان علماء الأمة الكبار يرصدون هذه الانحرافات ويزنونها بميزان الإسلام ويكتبون نتائج بحوثهم، ويميزون بين المهم والأهم وغير المهم والصواب والخطأ فكان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ومحمد دراز وأمثالهم من كبار الجيل الأول والثاني في عصر النهضة العربية والإسلامية، والملاحظ الآن أنه قد زاد الانحراف وساءت أحوال هذه التيارات الإسلامية في جيلنا الحالي المستمر منذ سبعينيات القرن الماضي وازداد التفرق والتشرذم وبازاء ذلك ازدادت أوضاع الأمة الإسلامية سوءا بأخطر مما كان بها في الأجيال السابقة فظهر كبار وأئمة فعلوا مثلما فعل سابقوهم إزاء هذه التحديات الجديدة كل بحسب طاقته وعلمه كمحمد الغزالي وطه العلواني وأمثالهم. فالذي يحتاج إلى معرفة منهج القرآن الكريم في وحدة الأمة ثم الحالة المصرية نموذجا فليقرأ كتب هؤلاء وأمثالهم ويفهمها جيدا ويدرك تفاصيلها ولا يكتفي بترديد شعارات الوحدة التي هي (كطبيعة الشعارات والعقائد والأقوال المجملة) كلام فارغ ما لم تُدرك علاقته بتفاصيله المجردة والإمبيريقية (يعني تفاعلات الحياة اليومية).
تنبيه: لم أعرف هل أكون قد تطرقت للحالة المصرية أم لا لأني ذكرت عموميات يشترك فيها التيارات الإسلامية والتغريبية في العالم كله، فهل المقصود من تحديد الدكتور طه العلواني لحالة المصرية هو ما يُقال عن فروق بين اخوان مصر واخوان البلاد الأخرى؟ ففروقهم لا تنتهي وهي تيارات لا تتقن غير الانشطار والتشظي ولا يوجد – تقريبا – من يتفرغ لدراسة الجهالات والأفكار التي يخترعوها بفرض أنهم يتيحون للآخر معرفتهم كما هم! وهم لا يتيحون ذلك، أو يكون د. طه العلواني يقصد بتخصيص الحالة المصرية ما حدث بعد ثورة 25 يناير لوصول الإخوان المسلمين إلى السلطة أول مرة في تاريخهم؟ لا أعتقد أنه يقصد ذلك وسبب استبعادي لذلك هو أن الساحة السياسة المعاصرة سيطر عليها الفشلة والأصاغر فلا مكان للأكابر في ساحة كهذه ومن الأدب أن لا يتعاقل الكبار وسط الحمقى حتى لا يعلن الحمقى عليهم الحرب، هذا تخميني لسبب انزواء شيخنا العلواني عن الكلام في أحداث السياسة المعاصرة، كما أنه هو السبب وراء انزواء كثير من عقلاء مصر عن المشهد وتركه للأصاغر

تعليقات

المشاركات الشائعة