درس في الموضوعية لمنتقدي السلفية

درس في الموضوعية لمنتقدي السلفية.



كتب /خالد المرسي
25-06-2011 01:41


رأينا الحملات الاعلامية المتأخرة( قبيل وبعيد الثورة إلى الآن) على المنهج السلفي، وعضّدهم في ذلك مؤخرًا ( أحد الشيوخ المعتلين لأعلى المناصب الرسمية في الدولة ) في محاولة لتشويه صورة المنهج السلفي في أعين الناس عبر إقناعهم أنه لا يعبر عن الإسلام الصافي الخالي من الشوائب – كما يقول السلفيون – (1) وأنه تشدد لا يمت الى الإسلام بصلة! وفي سبيل تعزيز هذا التشويه يقرنون المنهج السلفي بالوهابية – نسبة إلى الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – في محاولة أخرى لاقناع الناس بأن المنهج السلفي عبارة عن فكر شخصي لرجل من الرجال!. وسأمضي الآن في سرد أراء بعض الباحثين والدارسين – من غير المسلمين – للمنهج السلفي ولحركة الإمام محمد بن عبد الوهاب. وأهمية شهادتهم تكمن في كونهم كفارًا لم يؤمنوا بالإسلام، ولكن منعهم إنصافُهم ومبادئ العدالة التي تتفق عليها الشرائع؛ أن يكذبوا ويشوهوا صورة الحق الذي عرفوه وإن لم يؤمنوا به كإيمان أهل الإسلام، وغرضي من هذا هو تلقين أبناء جلدتنا من ( المسلمين الجغرافيين ) و ( علماء الضلالة والسوء والدروشة) الذين لم تمنعهم مبادئ العدالة والإنصاف والأمانة كما لم يمنعهم قبل ذلك دينُهم أن يفتروا على المنهج السلفي بهذا الشكل، غرضي تلقينهم درسًا في الموضوعية .


وقبل أن أبدأ في النقل أود أن أؤكد وأنبه إلى أن دفاعنا عن حركة الإمام محمد ابن عبد الوهاب أو غيره من مجددي الإسلام، ليس هو لشخصنة القضية أو للتعصب حول الرجال؛ ولكنه لسبب آخر وهو: أن الدين الإسلامي لا ينتشر ولا يُمكَّن ويُفعَّل في الحياة إلا بواسطة أناس يحملون رايته ويدافعون عنه ولذلك أمرنا الله – تعالى – أن ندعوه في كل صلاة بقولنا {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بعد دعائنا له أن يهدينا للصراط المستقيم {إهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، } وكان من فضل الله – تعالى - أن امتن على الإمام محمد بن عبد الوهاب ووفقه إلى أن يكون (انتعاش الحياة الإسلامية – سواء في دائرة النظر أو في مجال التطبيق في العصر الحديث – يبدأ من حركة الإصلاح على يد محمد بن عبد الوهاب في نهاية القرن الثامن عشر التي حققت أهدافها، إذ بها أثارت الحماسة، وأقامت الدراسة الدينية النظرية القائمة على التوحيد وأيقظت روح الإسلام الفطرية، وأثمرت تأثيرًا حاسمًا في كثير من حركات الإصلاح التي تعاقبت على العالم الإسلامي الى وقتنا الحالي(2) – وتتفق على هذه الحقيقة الأخيرة معظم الأبحاث المتصلة بحركات الإصلاح في العصر الحديث ) ويذكر المستشرق "فرار": أن الحركة السلفية كانت في القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب بمثابة مرحلة الإنتقال من مرحلة الدعوة النظرية إلى مرحلة التطبيق العملي في العصر الحديث، وسار على منوالها الكثير من حركات النهضة ويرى محمد إقبال أن الإسلام ظل قرونًا كأنه لا يتحرك حتى مهد قيام الوهابيين في القرن الثامن عشر السبيل لمصلحين آخرين )(3)، ويذكر الباحث الأمريكي "لوثروب ستودارد" بعد أن سجل ورصد بدقة لمعالم الإنحطاط الديني التي كانت في عصر محمد ابن عبد الوهاب، فيعقب قائلاً : فقامت الدعوة الوهابية للرجوع إلى الإسلام ( والأخذ به على أوّله وأصله، ولبابه وجوهره، أي إنما الاستمساك بالوحدانية التي أوحى الله بها إلى صاحب الرسالة – صلى الله عليه وسلم)(4) ، ويقول " توماس أرنولد" أن دعوة الامام محمد بن عبد الوهاب أيقظت روح الإسلام وأثمرت تأثيرا حاسمًا في كثير من( الحركات التي أحرزت السبق بين أقوى المؤثرات في العالم الإسلامي)(5) ويقول الدكتور"سارطون"( الإسلام على أحسنه كما يبدو في آثار السلفيين أي الفقهاء الذين يريدون أن يرجعوا بالإسلام على ما كان عليه في أيام السلف الصالح من الصفاء أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب)(6) وفي الدراسة الموسوعية التي قام بها المستشرق الفرنسي "لاووست" عن ابن تيمية ونظريته السياسية والاجتماعية ختمها بعرض أمين لدعوى محمد بن عبد الوهاب ووصفها بأنها أقل المذاهب الإسلامية التي تحقق هذا الإندماج بين الإخلاص القلبي الصحيح وبين الاتباع الحرفي لأحكام الفقه مثل ما فعلت الدعوة الوهابية التي يمكن تعريفها بأنها أكمل الإخلاص في خدمة الشرع) ويقرر "هنري لا ووست" في النهاية أن هذه الحركة باتجاهها السني الخالص هي بحق أحد المظاهر المتميزة للإسلام المعاصر.. وأنها فرضت إما احترامها وإما نقدها على غالبية الرأي العام للإسلام المتنور وأن تأثيرها القوي واسع الانتشار قد أثبت وجود رد فعل إسلامي عالمي)(7) ويقول المهتدي للإسلام " محمد أسد" ( وكان اسمه قبل اسلامه ليوبولد فايس)حركة ابن عبد الوهاب ليس فيها أية مبادئ وتعاليم مستقلة، بل على العكس، لقد حاولت هذه الحركة أن تقضي على جميع البدع والقشور الداخلية التي نمت خلال العديد من العصور حول تعاليم الإسلام الأولى وأن تعود إلى رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – الأصلية)(8) إلى غير ذلك من أراء باحثين كفار منصفين ومهتدين جدد للإسلام، بل إنك ستجد مراكز البحث بالغرب التي ترفع تقاريرها إلى الحكومات تعرف حقيقة السلفية كما بينا آنفا(9) ولم يصدهم أيضا عن معرفة تلك الحقيقة والإعتراف بها مدلولُ مصطلح السلفية في الغرب المتناقض تمامًا مع مدلوله في الإسلام والذي بيناه آنفًا! فمدلول مصطلح السلفية في التراث الغربي يدل على أزمنة التخلف التي عاشتها قبل الثورة الفرنسية. فاستطاعوا أن يجتازوا كل هذه الحُجب ليصيبوا كبد الحقيقة!، وكان الطبيعي هو عكس هذا الوضع ولكن من أراد الله ضلاله يعميه بل يُنسيه نفسَه التي لا يعيش إلا لإرضاء شهواتها { {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ } [الحشر : 19]. نسأل الله أن يهديهم ويُبصّر المخدوعين بهم .


والحمد لله رب العالمين
----------------
(1) المنهج السلفي هو "الإسلام في أنقى صُوَره"، ولا يلزم من ذلك عصمة السلفيين، ولكن العبرة بالغالب عليهم فإذا كان الغالب عليهم الإتباع الصحيح للمنهج السلفي سُموا بذلك " السلفيون" ولم يمنع ذلك من احتمال خطئهم ونقدهم وإسداء النصيحة المشروعة لهم – إذ هناك فرق دائمًا بين النظرية وبين تطبيق أهلها لها – والمنهج كله محفوظ بين علماء الأمة في مختلف البلاد، وإن خفي شيء منه على بعض العلماء والجماعات لا يخفى على الأخرين.
(2) وهذا مع الأخذ في الإعتبار إختلاف العصور والأزمنة باختلاف التحديات المفروضة والتي تُوجِب على السلفيين المعاصرين أن يتعاملوا معها ويواجهوها بالتجديد والإبداع – بشرط أن يكون التجديد عبر الطريقة الواحدة وهي طريقة السلف الصالح – فالمنهج السلفي لا يتعلق بالزمن والعصور، لكن باتباع الطريقة الواحدة الثابتة – راجع في التعرف على المنهج كتب الدكتور العلامة/ مصطفى حلمي" – حفظه الله -.
(3) م.ل. فرار ( وجهة الإسلام) ص (130).
(4) لوثروب ستودارد، حاضر العالم الإسلامي ص (38) .


(5) توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام ص(468)


(6) د. سارطون، الثقافة الغربية ص (34).


(7) هنري لاووست ( مختصر شرائع الإسلام في منهج ابن تيمية) ص(404)


وهذه النقولات السابقة نقلها الدكتور مصطفى حلمي في كتابه " الرد على منتقدي السلفية"


(8) الطريق إلى الاسلام ص 199 – منقول بواسطة الدكتور مصطفى حلمي من كتاب " صيحة مسلم قادم من الغرب".


(9) انظر: د. أحمد إبراهيم خضر: الإسلام والكونجرس ( حقائق ووثائق.. حول ما أسماه الأمريكيون بحركة الأصولية الإسلامية)، دار المعالم الثقافية، المملكة العربية السعودية، 1994
http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=66460




تعليقات

المشاركات الشائعة