نصيحة إلى الاخوان المسلمين وغيرهم الذين يعقدون مناظرات مع العلمانيين وغيرهم

الدين والسياسة - بقلم: خالد المرسي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بخصوص جماعة الإخوان بالذات والمعروف عنها طيلة عمرها عدم اهتمامها بطلب العلم (1) نراهم يخرجون الأستاذ صبحي صالح لمناظرات العلمانيين والليبراليين رغم كونه محاميًا فقط وليس عالما شرعيا.


ولعل تفسير تصرفهم هذا هو أنهم لا يهتمون بالعلم الشرعي ولا يعتقدون بأهميته ومن ثمّ فهم يُعوّلون على الأُطر العاطفية الدينية العامة كالتي يتقنها كل طالب علم مبتدئ كتلاوة الأيات القرآنية الدالة على شمول الإسلام أو بعض المعلومات المعاصرة الدالة على عظمة الشريعة والتي يسهل التقاطها من أي كتاب في الموضوع، وبالتالي فهم يخرجون مثل الأستاذ صبحي – وهو خطيب بجانب كونه محاميًا - يزعق ويحرك عواطف الناس وفقط!!! ولا يفقهون أن هذا لا يجوز شرعًا لأن فيه استفزاز للضالين – الذين أوجب الله علينا هدايتهم – لكي يتمسكوا بضلالهم وفيه تهييج للشعب عليهم، وفيه أيضا ترسيخ للعنف في وجدان الناس تجاه الضالين بعد أن يوقن الناس بسبب هذه المناظرات أن الضالين يحملون حقدًا دفينًا ومتجذرًا وبيّنًا في صدورهم تجاه الإسلام – رغم أن الضالين ليس أغلبهم كذلك – كما سيأتي بيانه.


ومن تفسير تصرفهم هذا أيضا : أنهم لا يفقهون سُنّة الله في الدين والإنسان وهذه السنة هي : أن الله قد يجعل أهل الحق فتنة للظالمين فيزداد ضلال وتمسك الظالمين به بسبب أهل الحق! وهذا بسبب تقصير من أهل الحق في دعوة الظالمين، والإخوان وغيرهم في هذه الجزئية يقيسونها بالميزان الكَمي يعني يقولون مثلاً : أنه لايجوز في العقل أن يكون من يعتقد بآلاف المسائل من الحق – كالأستاذ صبحي صالح – سببًا في فتنة من لا يعتقد ب 3% من نسبة الحق الذي يعتقده "صبحي" كالعالمانيين والليبراليين مثلاً! وهذا بسبب عدم فقههم في النفوس وفي الدين وطبيعته. ألم يشرع اللهُ – تعالى – للصحابة رضوان الله عليهم أعلم الخلق وأكثرهم اعتقادًا للحق – كمًا وكيفًا- ألم يشرع لهم أن يقولوا (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )(2) وهؤلاء الظالمون في زمانهم كانوا الكفار!!!!!! يعني هذا كان ممكن الوقوع من الصحابة وهم أعلم الخلق ولكن الله وفقهم وهدى الناس بهم، فهو إذا ممكن على غيرهم من باب الأولى!!!.


ومن تفسير تصرفهم أيضًا أنهم لا يعلمون سنة مهمة من سنن الله في الدين والإنسان وهو أنه الله سبحانه وتعالى قد يخلق من الشيئ ضدَّه، فتجد مثلاً أن كل من تمسك بالإسلام أعزه الله ورفعه به؛ وتجد كذلك أحيانًا أن التمسك بالإسلام – بحسب فهم المتمسك – يكون سببًا في تخلفه التخلف العظيم ( إن الدين إذا أُسيء فهمُه أصبح أكبر أسباب التخلف ) وهذا مثل ما جعل الله –تعالى – القرآن العظيم سبب في زيادة هدى المهتدين وكذلك هو سبب في زيادة كفر ومرض الضالين!! وليس هذا عيبًا في الإسلام فحاشاه فهو الدين الكامل ولكنه عيبًا في القابلية الإنسانية فصاحب القلب والقابلية الطيبة يزيد هداه بسبب القرآن الكريم وصاحب القلب والقابلية الخبيثة يزيد مرضه بسبب القرآن الكريم (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا )(3) أي القرآ الكريم، فقد يكون تَديُّن جماعة ما – بالإسلام كما فهمته – سببًا في تخلفها في تخلف البلاد التي تريد حكمها وفي تخلف المدعوين، وهذا إحدى حِكم اشتداد سلفنا الصالح على أهل البدعة وبيانهم لخطورتهم رغم كون المبتدع متمسك بآلاف المسائل من الحق كما عدَّ "القسطلاني" عددَ المسائل التي يجمع عليها المسلمون فوجدها 10000 مسألة!(4) فالمقياس ليس رياضيًا بالشكل الذي يظنه من لا يفقه السنن التي بينها لنا الوحي المطهر وفهم السلف الصالح له، ومن هنا أيضًا يرد العلامة/ محمد رشيد رضا على من يدعي أن سبب تخلف المسلمين تَمسكُّهم بالإسلام! فيقول له أن الاجماع على أن الدين هو سبب تقدم المسلمين الأوائل وتحضرهم، فكيف يكون الدين هو هو سبب تخلف المسلمين المتأخرين!؟، والعلة الواحدة لا يصدر عنها معلولين متناقضين! فيجيب الشيخ بأن الدين الذي كان سببا في تحضر وتقدم الأوائل هو الدين الإسلامي الصافي من الشوائب والبدع، والدين الذي كان سببًا في تخلف المسلمين المتأخرين هو الدين الإسلامي المشوب بالبدع!. فهو هو الدين، لكن استحال لسبب تخلف وانحطاط لمَّا لم يُفهم كما أنزله الله!.(5) فليس الموضوع بالسهولة التي يتخيلها كثير من الإسلاميين والجماعات الإسلامية المعاصرة، ومن هذا الباب ما حكاه الدكتور محمد البهي" – رحمه الله - أن المسلمين الصوفيين المتخلفين الذين وُجدوا في مصر بعد إستقلالها من الاحتلال كانوا سببًا في اعتقاد بعض شرائح المجتمع المصري بأن الإسلام أدى دوره في الماضي ولم يعد له دور الآن!.(6)


والآن أقول للاخوان: لماذا لا يخرجون للمناظرات أحد العلماء الكبار في مصر أو غيرها من الدول من أي الاتجاهات ليدافع عن المسائل المُجمع عليها بين الاسلاميين!! أو حتى يخرجون العلماء الذين نعرف إنتسابهم للاخوان كمصطفى حلمي وعمر الأشقر وغيرهم من أئمتنا وعلمائنا الأفاضل! أم أن للاخوان أعذار تتعلق بظروف تنظيمية وأمنية! كأسرار الجيوش أثناء الحرب ! تلك الأسرار التي تجعل قائد الجيش يتحرز ويتحفظ من زوجته وباقي أفراد أهله!! ولعل هذا العذر هو الذي جعل الأستاذ "صبحي صالح" يقول ما قال بخصوص زواج الإخواني من غير الإخوانية!! وإن كان هذا عذر مقبول في فترة "مبارك" – تنزلاً معهم – فهل يُقبل بعد أن تحررت الجماعة والمفترض أنها تسعى الآن لتكون جماعة دعوية كرافد يُغذي الحزب السياسي!؟ أم أن عذرهم الوحيد متضمن في بعض التعليلات التي ذكرتها سابقًا!!؟ وهو كذلك.


أرجو من كل الجماعات الإسلامية وكل الإسلاميين أن يجهدوا أنفسهم للتوصل إلى الحق وإلى المرونة في التفكير.


وأقول لمن يشاهد هذه المناظرات وأنصحه أن لا يُشحَن بمشاعر سيئة وظالمة ضد الضالين، لأن الحقيقة أن العيب الكبير في من يناظرهم من الإسلاميين الذي لا يفهمون دينهم فهمًا صيحيحًا فضلاً عن أن يكونوا هادين به، والغير مؤهلين أصلا للدعوة إلى الله على علم وحكمة ، ولأن الحقيقة أيضا أن كثيرًا من هؤلاء الضالين يحمل شبهات حقيقية في نفسه، وليس معاندًا ولا يحمل حقدًا على الإسلام، والأدلة على هذه الحقيقة الأخيرة كثيرة وأورد هنا دليل من جنس دلالة الإعتبار بتاريخ الأسلاف و دلالة سنن الله التي لاتتغير ولا تتبدل وهو دليل مُعتبر ورد به القرآن الكريم لنعتبر ونتعظ ونقيس الأمور بمثيلاتها ، فمن تاريخ سلف هؤلاء الضالين ما يثبت ما أقول، والذي حكاه عنهم من كان يناظرهم وهو الشيخ محمد رشيد رضا فيقول الشيخ: ( إنني منذ ثلث قرن ونيف أدرس مسألة النساء والحياة الزوجية وأناقش فيها أهل العلم والرأي، وأقرأ ما صنف فيها من الكتب، وأتتبع ما تنشره الصحف، وأتدبر أخبار الإفرنج فيها، وكتبت فيها شيئًا كثيرًا، أهمه تفسير آيات القرآن الحكيم في موضوعها، ومقالات الحياة الزوجية التي نشرة في مجلد المنار الثامن وآخرها هذه الرسالة:" وناظرت الدعاة إلى المساواة بين النساء والرجال في الجامعة المصرية، فحكمت لي الأكثرية الساحقة بالفلج وإصابة صميم الحق")(7) .


نسأل الله أن يفقهنا في دينه.


والحمد لله رب العالمين






-------------------------------------------


(1) ذكره شيخنا/ محمد اسماعيل المقدم – حفظه الله تعالى – ولا بالعقيدة أيضا! كما ذكره شيخنا وذكره أيضا الدكتور ضياء رشوان!.


(2) سورة يونس:85


(3) سورة البقرة:26


(4) سمعت هذه المعلومة من الشيخ سلمان العودة – حفظه الله –


(5) منقول بمعناه مختصرًا من تقدمة الشيخ لكتاب الإعتصام للشاطبي.


(6) منقول بمعناه مختصرًا من كتاب " الاسلام في حل المشاكل الاجتماعية المعاصرة".


(7) كتاب "حقوق النساء في الإسلام".
http://rpcst.com/articles.php?action=show&id=1018

تعليقات

المشاركات الشائعة