هل عمل الصالحات يُصير السفيه والمدعي مهتديا؟

هل عمل الصالحات يُصير السفيه والمدعي مهتديا؟
بقلم- خالد المرسي
بسم الله الرحمن الرحيم.
أبدأ الحلقة الأولى من السلسلة الثانية في تحليل أوضاع الإسلاميين، وكانت السلسلة الأول من خمسة مقالات مجموعة تحت عنوان "الإعجاز النبوي العلمي في وصف سفهاء الأحلام وتحليل لأقوالهم وأحوالهم وأفعالهم في العصر الحديث (1)"

https://www.academia.edu/27821712/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%AC%D8%A7%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D9%88%D8%B5%D9%81_%D8%B3%D9%81%D9%87%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%85_%D9%88%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84_%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%85_%D9%88%D8%A3%D8%AD%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%85_%D9%88%D8%A3%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%85_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D
أحد أكبر شيوخ السلفية في مصر المتهم (بالحق) بأن نشاطه الديني يحدث مشاكل في البلاد لا سيما مع مسيحيي مصر، حكى قصة وكتبها في مقال وقدمها كدليل على براءة نشاطه مما نسب إليه، وفحوى هذه القصة أنه وهو داخل إلى بيته وجد رجلاً يستوقفه ويقول له أنت الشيخ فلان؟ فقال له نعم، فحضنه وقال له أسمع اتهامات كثيرة عن خطورة نشاطك على مسيحيي مصر وها أنا مسيحي وجارك منذ كذا سنة ولم أرى منك إلا خيرا! هذه فحوى القصة.
وهكذا أهل الباطل يستزلهم الشيطان ويزين لهم أنواعًا مختلفة من السلوكيات والأفكار ليتخذوا منها بالجهل أدلة على صحة باطلهم، فيرسخهم الشيطان في الباطل من حيث يزداد يقينهم أنهم راسخون في الحق! فهذا الشيخ اتخذ ذلك الموقف دليلا على مدلول، والمدلول هو هدايته وبراءة نشاطه الاجتماعي الفكري مما نسب إليه من باطل، والحقيقة أنه لا علاقة ولا ارتباط ولا لزوم بين هذا الدليل وذاك المدلول المزعوم، والديل على أنه لا علاقة هو قول الله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (طه:82) يقول الإمام ابن عطية في كتاب "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز":" { تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} واضطرب الناس في قوله تعالى { ثُمَّ اهْتَدَى } من حيث وجدوا الهدى ضمن الإيمان والعمل الصالح...والذي يقوى في معنى { ثُمَّ اهْتَدَى } أن يكون: ثم حفظ معتقداته من أن يخالف الحق في شيء من الأشياء، فإن الاهتداءَ –على هذا الوجه- غير الإيمان وغير العمل، ورُبّ مؤمن عمل صالحا قد أوبقه عدم الاهتداء كالقدرية والمرجئة وسائر أهل البدع والخوارج، فمعنى { ثُمَّ اهْتَدَى } :ثم مشى في عقائد الشرع على طريق قويم، جعلنا الله تعالى منهم، وفي حفظ المعتقدات ينحصر عُظم (أي معظم) الشرع" وكمزيد بيان أقول إن السبب في عدم وجود ذلك الارتباط، أن عمل الصالحات هي مشاع بين المؤمنين والكافرين والصالحين والطالحين لفائدتها الإنسانية الثابتة (بالحق)  كأثر العمل الخيري في طول العمر وراحة البال كما تثبته الدراسات الغربية الحديثة أو (بالباطل) كان يكون قناعا لدافع غير سوي يخفى على صاحبه كما نص على ذلك علماء المسلمين ومفكرو أوروبا كبرتراند راسل الذي قال "إن الأسباب التي نفعل من أجلها الخير (يقصد العمل الخيري الاجتماعي) قلما تكون منزهة تماما كما نعتقد، إن حب السلطة ماكر، إنه يرتدي أقنعة كثيرة"
إذن فالعمل الصالح محايد سواء كان عملا خيريا أو تعبد لله ونحن نعرف مدى اجتهاد الخوارج في عبادة الله! ولم يأمر نبينا بقتل مسلم إلا هم، ووضع أجرا عظيما في الآخرة لمن قتلهم!!، لاوتنسوا أن كثيرا من أعمال هؤلاء الشيوخ الصالحة هم موظفون عليها وليست من كسب أيديهم المادي الشخصي...
نعم قد يكون العمل الصالح دليلاً حقيقيًا على حُسن داخلي يعلمه الله من العامل الفاعل، ولذلك فإن عوام المسلمين يدخلون الجنة بعملهم وإن لم يكن لديهم فكر راسخ؛ على خلاف العلماء الذين يدخلون الجنة بعلمهم وفكرهم في الأساس  وترتقي درجاتهم فيها به حتى عملهم الصالح ليتصاغر جدا في الميزان في مقابل كفة فكرهم وعلمهم.
وهناك نظر آخر في العمل الصالح أخطر من النظر السابق، وترتبط (طبيعته ودلالته) في الصميم بمجمل أحوال الشخص العامل الفاعل، وهو في صميم من أنشغل بتحليل أحوالهم كهؤلاء الإسلاميين، هذا النظر هو أن لو كان عملهم الصالح هذا دليل حسن باطني حقيقي يعلمه الله منهم لكانوا أكرم على الله من أن يخذلهم ويجعلهم أباطرة في هذا العصر ومثالا تجري به الأقلام والألسن من مختلف الشرائح الاجتماعية؛ على قُبح من يحمل رسالة عظيمة وهو لم تتحقق فيه مؤهلاتها من الفهم السليم! وقد علمنا قطعا من دين الإسلام أن أعظم ما يُعصى الله به هو الجهل وجهل الجهل، لا سيما لو لبس لباس الإسلام كما هي في حالة هؤلاء الإسلاميين!، وعلمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين تنبأ بازدياد الأدعياء المغرورين في آخر الزمن ووصف ادعاءهم ب "السمن" فذكر النبي ان في آخر الزمان قومًا"يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمنُ"
والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة