الحزبية المقيتة ليست إلا الارتباطات الضرورية للفكر الفاسد.



الحزبية المقيتة ليست إلا الارتباطات الضرورية للفكر الفاسد.
بقلم – خالد المرسي.
بسم الله الرحمن الرحيم.
كلنا يذم الحزبية والتحزب وهي مرض مهلك ابتليت به التيارات الاسلامية وغيرها في عصرنا هذا، فما وجه الذم في هذه الحزبية؟
لا يمكن أن يكون وجه الذم فيها هو اجتماع المتشابهين في الرأي على التعاون فيما بينهم لأن تعاون أهل الفكر المتشابه على نشر فكرهم حق لا مرية فيه وهكذا كان الأنبياء وصحابتهم {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2) {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(المائدة:56)
ولا يمكن أن تكون هذه الحزبية هي مجموعة القواعد والأوامر التي تحدد وتنظم العمل داخل المؤسسة أو الجماعة لأن هذا هو مفهوم "الإدارة" والإدارة محايدة يُحتاج إليها في التجمعات كلها ولا تخضع في ذاتها إلى تقييم من جنس تقييم الأفكار.
ولا يمكن أن يكون وجه المقت في الحزبية راجع إلى قصد أهلها التفريق بين المسلمين والإفساد بينهم، لأننا نحسن الظن بالأغلبية من قادة الجماعات أنهم لا يقصدون غير الخير  والإصلاح الاجتماعي.
فأين وجه هذا المقت؟
وجهه في عنصرين متلازمين:
أولهما: الفكر، لكن لا يعرف وجه التحزب فيه غير كبار العقلاء من العلماء، أما غيرهم من عوام الناس وصغار المثقفين فلا يعرفون وجه التحزب من الفكر في نفسه إلا إذا رأوا ارتباطاته الواقعية وهي العنصر الثاني.
الثاني: الممارسة الواقعية التي هي لازم الفكر، وهي ارتباطات ضرورية يفرضها فكر الجماعة فينسجهم في تفاعلات واقعية تُظهر حقائقَهم أمام كل من هو دونهم (أي دون المخلصين لهم المُحتاج إليهم لموافقتهم وتفانيهم في خدمة فكر هذه الجماعة) وهي تفاعلات واقعية لا تليق بالمسلم الذي قال النبي (صلى الله عليه وسلم) فيه "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" فتجدون علاقة هؤلاء الحزبيين مع غيرهم هي الخذلان والظلم لهم وتضييع أمورهم، وتخييب ظنونهم، وتلك هي سنة الله تعالى المُسماة (الاستدراج) التي وعد بها الظالمين أنفسهم، وهي قريبة أيضا من مفهوم (الخذلان) أي خذلان الله للعبد، وهي بتعبير العوام الذي يقولون فيه: "الله أوقع فلان في شر أعماله" ونحن نعدّل تعبيرهم ليكون "في شر أفكاره" بدلاً من "شر أعماله" .
الله (تعالى) أخبرنا أن الفكر والممارسة الواقعية شيء واحد لا شيئان متغايران ولذلك شاع في القرآن الكريم القرن بين الإيمان والعمل الصالح {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}(البقرة:25) والإيمان هو الاعتقاد اليقيني ولوازمه من الفكر الحق الذي وصفه الله بالصراط المستقيم { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام:153) ونفى عنه العوج {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} (هود:19) ومعنى الآية أن الكافرين حين يبغون الشريعة لا يبغونها إلا عوجًا على غير صراط مستقيم(1) وكما هو مذهب أهل السنة أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان إذ الله سمى الأعمال إيمانا فسمى الصلاة إيمانا {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة:143)
 لذلك لو الله أكرم المسلمين اليوم بجماعة قادتها وعلماءها مؤمنين الإيمان الحقيقي لوجب أن يحبهم الناس لا أن يكرهونهم وينفرون منهم كما يحدث مع الحزبيين اليوم، فالله وعد أهل الإيمان بإمالة قلوب الخلق إليهم إمالة غير طبيعة زائدة على الإمالة الطبيعية التي تنتج من الإحسان إلى الخلق والتودد إليهم (وهو سلوك أهل الحق) فيزيدهم الله على هذا الحب الطبيعي حبا غير طبيعي فيحبهم من لم يصله من إحسانهم شيء لبعد الديار أو لقلة ذات اليد... كما في قول الله {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (مريم:96)(2)
ومن أراد الاستزادة حول معنى تلك (الارتباطات الضرورية) فليقرأ مقال للكاتب بعنوان (حول أهل ما بعد العجز) منشور في مدونته الشخصية على موقع بلوجر.
والحمد لله رب العالمين.
(1)          هذا معنى ما قاله الإمام "ابن عطية" في تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، في قوله تعالى { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا}
(2)          هذا معنى ما قاله الشيخ "عبد الحميد بن باديس" كتاب "آثار الإمام عبد الحميد بن باديس، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير" عن وزارة الثقافة بالجزائر، 2007م، الجزء الأول، صفحة: 200.
المصدر
 http://www.islamyun.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=2266:%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D9%8A%D8%AA%D8%A9-%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA-%D8%A5%D9%84%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B3%D8%AF&Itemid=164

تعليقات

المشاركات الشائعة