فوائد على محاضرات الدراسات القرآنية للدكتور طه العلواني.

هذه فوائد + قيام بواجب كلف الدكتور طه العلواني به من يحضر مقرره عن (الدراسات القرآنية) الذي يدرسه ضمن مقررات دورة علمية أهداها للباحثين كمنحة مجانية بعنوان "إعداد باحث" نشرتها في جروب الدورة على الفيس بوك وهو جروب مغلق لا مفتوح، والآن أنشرها مع فيديو المحاضرة الأولى، ونحن الآن في المحاضرة الثانية إذا رُفعت على النت ألحقت بها ملاحظاتي ونشرتها، وهذا المقرر فيه فكر الدكتور طه العلواني سيجد فيه المهتمون بشئون تجديد الفكر الإسلامي والإنساني الشيء الكثير الضروري للتجديد.
وهذا رابط المحاضرة الأولى
https://www.youtube.com/watch?v=6DoKyLe3_xU&feature=youtu.be
1- مؤهلات الفقيه في الإسلام.
في سياق الكلام عن العلاقة بين الكتاب والسنة سأل أحد الإخوة شيخنا طه العلواني (حفظه الله) عن الفقه والتفقه، وآخرون سألوه أيضا عن الفقه وتفاصيله حيث أنه قيل لنا إن علم الفقه في مقدمة العلوم الشرعية، وبالتالي فدارس هذا الفقه هو من وصفه القرآن الكريم والسنة ب (العالِم) الذي رفعه الله درجات وفضله، وإجابة شيخنا "طه العلواني" بما معناه كما فهمت أن هؤلاء الدارسين يدرسون هذا المُسمى فقها لسببين 1 البطالة فلا مجال نافع يبذلون الجهد فيه 2- أخذه حرفة يعتاشون منها.
فالذي أفهمه من قراءاتي لشيخنا أن هذا المدروس ليس هو الذي قصده الله - تعالى - بوصف (العلم) ويوصف أهله ب (العلماء) وهذا الخلل دخل جامعاتنا الرسمية والأهلية لأنهم ورثوا تلك الكتب عن السابقين فظنوها (كلها) دينا وظنوا من يتفانى فيها (عالم دين) لأنهم لم يفهموها في ضوء علم اجتماع المعرفة ليعرفوا مقاصد مؤلفيها الأئمة وأنهم لم يقصدوا منها التشريع ليتخذوه الناس دينا ولكن قصدوا بها فتح أبواب للاستنباط والفهم فقط، وليس هذا المدروس مثل الذي كان يدرسه نبينا (صلى الله عليه وسلم) ويدرِّسه للصحابة حتى ظهر منهم أعلم علماء الأمة وفُرِض على من بعدهم أن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم، فما هو الواجب درسه حتى يستحق المتفاني فيه وصف الفقيه بالمعنى القرآني النبوي - بغض النظر عن صور العبادات -؟
هو دارس (الحكمة) التي ورد لفظها في آيات القرآن الكريم، في علاقتها بالقرآن الكريم، وذلك هو الفقيه العالم الحقيقي ، والحكمة في نظر د طه العلواني هي " مفهوم جامع يضم كل ما في الكون من موجودات وسنن، ومعارف وعلوم، وخبرات بحيث يصير الإنسان بعد تعلمها مع الكتاب جامعًا بين القراءتين قراءة الكتاب وهو الوحي وقراءة الكون؛ أي: معرفة مافيه من الموجودات والسنن والقوانين، والمعارف، والعلوم. وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلم أصحابه الحكمة بهذا المعنى؛ أي: كيفية الانتفاع مما أودع الله في الكون من هذه الأمور فيسايرونه، ولا يغالبونه أو يغفلون عنه" (انظر كتاب "إشكالية التعامل مع السنة النبوية ص:52) فهل يقتض هذا الفهم رمي الكتب المسماة ب (الفقه)؟ لا يقتضيه ولكنه يقتضي الاستفادة من صحيحها وأخذه وسيلة - من ضمن الوسائل- التي تُخرج فقيها عالما، ولا يمكن غربلتها والاستفادة من صحيحها إلا إذا درسها الدارس بقصد الاستهداء بها في الحصول على إجابات لإشكاليات فكرية معاصرة تواجهه، ولا يعلم هذه الإشكاليات إلا دارس الحكمة.
هذا فهمي


2-هذه خاطرة كتبتها من أيام حول كلام شيخنا طه العلواني عن ضرورة علم اجتماع المعرفة في فهم كلام السابقين،:
قبل أن نخطىء أو نصوب نظرية التطور لدارون يجب علينا فهمها في ضوء علم اجتماع المعرفة.
ولكن كثير من مفكرينا فشلوا في فهم فكر أمتهم هم في ضوء هذا العلم! فكيف ينجحون في فهم فكر غيرهم في ضوءه؟
وهذا المطلب كان مطلبا جوهريا في تراث ابن تيمية وأوضح أنه سبب كل خلل في الفهم وإن لم يذكر اسم هذا العلم الذي نشأ حديثا.
وأكثر من يقع في هذا الخلل هم من يغالون في اتباع ابن تيمية!
طيب كيف يمكن فهم نظرية التطور في ضوء علم إجتماع المعرفة؟
يعني أولا نعرف ماذا فهم دارون ومفكرو الغرب من هذا الاكتشاف أو كيف فسروه، فنحن نقر لهم بأنهم هم أهل العلم الطبيعي ونحن لسنا من أهله، فبعد أن اكتشفوا هذا التطور التشريحي في الواقع كيف فسروه من الناحية الفكرية ليضادوا به الدين ويجعلوا منهم مصدر معرفة للعالم؟ فبعد أن نعرف فهمهم لهذا الاكتشاف يأتي دور علم اجتماع المعرفة لأننا سنجد أن فهمهم وتفسيرهم لهذا الاكتشاف أخذ مادته من خارج علم التشريح والعلوم الطبيعية كلها وفي ذلك يبحث علم اجتماع المعرفة يبحث (العملية الاجتماعية التي تؤدي إلى ظهور كم من المعرفة يُقبَل على أنه الواقع وذلك في اصطلاح د عبد الوهاب المسيري هو (الخريطة ألإدراكية) وهذا صعب لأننا نحتاج تقمص عقل دارون ومفكري الغرب لنعرف كيف تشكلت خريطتهم الإدراكية فنحتاج لدراسة مصادر المعرفة في مجتمعهم التي تربوا عليها (كالثقافة الدينية التي كانت تربيهم عليها الكنيسة) وشكلت خريطتهم الإدراكية لأنها هي الدافع وراء فهمهم التفسيري لذلك الإكتشاف التشريحي، فلو نجحنا في ذلك كنا قد أنجزنا عملية فهم الآخر كما هو في الواقع، فنبني على هذا الإنجاز عملية تقييم فهم ذلك الآخر في ضوء خريطته الإدراكية هو - حتى وإن كانت تلك الخريطة خاطئة وغير صحيحة - ثم نبني على ذلك تقييمنا نحن لفهمهم في ضوء (الخريطة الإدراكية) الصحيحة والواجب أن تكون وتُعلم" هذا بفرض أننا نجحنا في اكتشاف الخريطة الإدراكية الصحيحة المتفقة مع صحيح الإسلام". فلو لم ننجز العملية الأولى بشكل صحيح ثم بنينا عليها بقية العمليات فنكون بذلك توغلنا في المسار الخطأ وازددنا ظلمات فوق الظلمات، وهذا ما حدث في بيئتنا الفكرية الإسلامية اليوم. فالباحث الذي استطاع فعل تلك الخطوات بشكل صحيح عليه أن يكتب لنا نتائج بحثه في كتاب أو بحث لنفهم معه قصة هذه النظرية وسبب الجدل الذي فجرته في الدنيا اليوم وبيان الصحيح منها وبيان الخطأ بأدلته.
--------------------------------------------
3- بين العقل الفطري والعقل العلمي.

تكلم شيخنا طه العلواني –حفظه الله– بشكل عابر عن العقل الفطري والعقل العلمي وقصد به – كما أفهم – في سياقنا ما قاله هو بعبارات أخرى إن "علماء الأمة وعقلاؤها قد تحولوا بعد فتنة التقليد والقضاء على الاجتهاد إلى عقلية العوام، فإلى أي شيء يتحول العوام أنفسهم؟!" فالعامي هو الذي يتبع السائد لأنه سائد ولا يجد من عقله التألق اللازم ليكتشف ما في ذلك السائد من أخطاء يجب أن تصحح، فهذا العامي وجد الطلاب يدرسون علما يُقال إنه (شرعي وديني) لينالوا به درجة البكارليوس ففعل مثلهم، ثم وجدهم يدرسون لدرجة الماجستير والدكتوراة ففعل ذلك ثم ترقى في المناصب الوظيفية وكثرت مؤلفاته كما يكثر أمثاله من المؤلفات، وأثناء مسيرته تلك لم يفعل غير ما يفعله العامة عامة الدارسين والمدرسين ولم يكن عقله بقادر على تحليل ما عليه العامة ليعرف صحيحه من خطئه، والذي يصبر على دراسة تفاصيل هو لا يفهمها فهما استقلاليا نابعا من قناعته هو غير متألق العقل، أما صاحب العقل المتألق فلا يصبر أبدا على ذلك وسيرمي الكتاب من يده أو يسارع بالانتقال إلى دراسة علم آخر يستطيع أن يفهمه ويقتنع به، وذلك هو صاحب العقل العلمي ، والأول صاحب العقل العامي الذي ينال مثل هذه الدرجات العلمية والمناصب الوظيفية الراقية حتى يشتهر أمثاله في المجتمع على أنه هو صاحب العقل العلمي، وإذا حدث ذلك في المجتمع يكن قد دخل في مرحلة ظلام دامس وتخلف مطبق، لأن أصحاب العقل العامي لا يستطيعون النهوض بأنفسهم حتى ينهضوا بمجتمعهم، وأصحاب العقل العلمي – غالبا – كما في زماننا  يتوجهون لدراسة علوم أخرى ليس فيها ما يحتاجونه للنهوض – وهو في العلوم التي يدرسها أهل العقل العامي لكن لغبائهم لا يستطيعون إظهارها للناس كما ينبغي ولو أظهروها يظهروها بشكل مشوه يمنع العلميين من الاستفادة منها، ولن ينهض المجتمع إلا إذا ظهر أهل العقل العلمي ظهورا قويا لا مجرد ومضات، فأهل العقل العلمي القادرون على دراسة الدين بشكل علمي من بداية عصر النهضة العربية  كالشيخ محمد عبده ورشيد رضا ومحمد دراز وطه العلواني وأمثالهم يظهرون كومضات ولم يستطيعوا التوسع بالشكل الذي تتطلبه النهضة، كما أن الذين يعرفون قدرهم ويستطيعون التفريق بينهم وبين أهل العقل العامي هم كذلك ومضات من الدارسين والطلاب، وذلك لأن ميكانزمات العلم في المجتمعات المتخلفة تكون مشوهة كما يقول علماء الاجتماع، يعني لا يعرف الدارسون في هذا المجتمع  الفروق الدقيقة – لا مجرد الاجمالية فقد يعرفونها – بين ما هو علم وما هو جهل، او ما هو عقل فطري(عامي) وما هو عقل(علمي) فكلاهما يدرس ويدرس ويؤلف كتبا وينادي بضرورة التجديد فما الفرق؟!
" سؤال المحاضرة "
كيف نقدِّم القرآن للعالم اليوم؟
الله تعالى {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يعني هداه لما فيه معيشته في الأرض فنرى الحيوانات تلهَم كيف تأكل وتتناسل وتهرب من المخاطر وتجلب ما تحتاجه لصلاح شأنها، لكن الإنسان اختلف عن بقية المخلوقات بحرية الإرادة والعقل والمطالب والإرادات غير المتناهية، فالله تعالى أنزل له هدايته ليختارها هو أو يرفضها على عكس بقية الحيوانات التي لا تستطيع رفض هداية الله لها، كما أن الله تعالى قد يقدّر على هذا الإنسان أن يضل عن هدايته لا بالقصد فقط ولكن بالغفلة (التي تتعدد أسبابها) كما نعلم عن أهل الفترة أو كل ممن لم تبلغهم حجة الله البالغة أو بلغتهم مشوهة لا تعبر عن الدين الحق.
ولما كان الحيوان إذا حُرم هداية الله مات فورا فإن الإنسان قد يُحرم هداية الله ولا يموت ولكن تظل حياته سائرة لأن الحيوان حيوان بيولوجي فقط أما الإنسان فكائن ثقافي أي قد يحيا بيولوجيا ويموت ثقافيا معرفيا إذ ضل هداية الله كما قال الله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} إلى آيات أخرى في معناها، فالمعيشة الضنك هي الموات المعرفي حيث المعرفة أصل كل سلوك وعمل إن صلحت صلح الجسد كله كما جاء في الحديث (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت، فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)) وكل (قلب) أو (عقل) في الخطاب النبوي القرآني يحمل معنى الآخر، إذن فإنزال هداية الوحي إلى البشر هدفها هي الحياة الطيبة والشرف {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}... إلى آيات كثيرة في هذا المعنى، مما يعني أنه إذا أردنا تقديم القرآن لأنفسنا أو لأي أحد علينا أن نبحث في حالتين حالة (المرض) التي ذكر القرآن أنها لازمة لكل من لم يهتدي بهديه، وحالة (الصحة) أي تصحيح حالة المرض التي ذكر القرآن أنها لازمة لكل من اهتدى بهديه، وأي علم في الدنيا منذ قديم الأزل يبحث في هذين الحالين، وعلى ذلك فحين نريد تقديم القرآن لأحد أو مجتمع ما علينا أولا: أن نعرف حالة ذلك المجتمع من حيث الصحة والمرض ثم ثانيا (وبالموازاة مع أولا) نعرف كيف يقر القرآن ما عليه ذلك المجتمع من صحة أو يعدل فيها، وكيف يعالج القرآن ما عليه ذلك المجتمع من مرض فيقدم له ما به يصح من هذا المرض وهذا ما يسميه د. طه العلواني التصديق والهيمنة والاستيعاب القرآني – كما أفهمه -، والباحثون في حالات الصحة والمرض قد يبحثون بشكل علمي أو غير علمي كما عندنا مثلا الطب الشعبي (الذي يمارس فيه أي إنسان تطبيب جاره مثلا بثقافته العامة المستقاة من مرضه السابق أو من أي مصدر معرفي) وعندنا الطب الرسمي الذي يتخرج فيه الطبيب من الجامعات المعترف بها علميا) فكذلك سنجد من يقدمون القرآن اليوم للمسلمين ولغير المسلمين أغلبهم يبحثون في حالات الصحة والمرض بشكل غير علمي عدا تيار التجديد، ولذلك وصلنا إلى أن صار أغلب النخب المسلمة في بلادنا تعتقد أن القرآن الكريم كتاب دين بالمعنة اللاهوتي كما يقول د. طه العلواني،(واللاهوت)  وصف مهذب للخرافة واللامفهوم واللامعقول غير العلمي، ويتعايشون مع دينهم بشكل برجماتي على أنه أمر واقع مؤمنين به ومعظمين له على هذا النحو بتبريرات مختلفة – وغني عن الذكر أن هذا كإيمان أهل الجاهلية الذين بُعث فيهم الرسل -، أو لأنه ليس من اللائق اجتماعيا –وتجنبا للاضطهاد - أن يحاربوا دينهم الرسمي  وإن كان هو الواجب (علميا) إذ أمانة العلم على كل عالم أن يحارب اللامفهوم، وذلك الانحراف نشأ فيهم لأن من يُسمون (علماء إسلام) عجزوا عن بحث حالات الصحة والمرض بشكل علمي يتفق مع السقف المعرفي المعاصر.
ولذا فنحن بحاجة إلى تقديم القرآن الكريم للمسلمين أولا  ونقنعهم بأنه كتاب معرفي علمي يصدق ويهمين ويستوعب ويتجاوز كما يقول د. طه العلواني.

تعليقات

المشاركات الشائعة