حتى نقرأ سيرة السلف الصالح قراءة راشدة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأتم تسليم أما بعد
لى ملاحظات مهمة يجب علمها واستحضارها أثناء قراءة سيرة السلف الصالح .
من هذه الملاحظات . أن مآثر سلفنا ومناقبهم وتضحياتهم وبطولاتهم .. الخ انما هى نتيجة مقدمات كثيرة سبقت . اذا فيستحيل انتظار النتيجة ومحاولى تمثلها بدون الأخذ بأسبابها ومقدماتها .
ومنها (أى الملاحظات ) أن مآثر سلفنا الصالح (لم تستحق الاشادة والاجلال الا لأنها ) كانت انعكاس لما استقر وملئت به قلوبهم من حب لله واتباع لنبيه (صلى الله عليه وسلم ) (قاله د. بكار ) هذا فى المقام الأول ثم بعد ذلك تستحق الاشادة من جهة كونها تفانيا فى سبيل الوصول للحق ونشر العدل ..الخ والا فنحن نعلم من أناس ليسوا بمسلمين بل أعداء لله أوقفوا حياتهم لحرب الاسلام ولهم من التضحيات فى سبيل ذلك على مختلف الصُعد العسكرية والعلمية ما يعجب له المرء .
ولايفهم أحد من كلامى أننى أسوى بين الأثر والتغيير الذى يحدثه المنهج التربوى الربانى فى نفس متبعه وبين الأثر والتغير الذى يحدثه المنهج التربوى الذى وضعه البشر لا فالفرق بينهما كالفرق بين صنعة الانسان وبين صنعة خالق الانسان . لكنى أقصد هنا أن أقول أن بعض تفاصيل وأفراد مآثر وأخلاق سلفنا الصالح قد نرى مثلها فى أهل كفر وحرب .
نستفيد من هذه الملاحظة أننا نقرأ سيرهم لالاتباعهم وتقليدهم فى الشكل الظاهر هكذا خبط لصق هكذا . ولكن نقرأها لفوائد . من هذه الفوائد معرفة أثر هذا الدين فى أنفس متبعيه الذين غير الله بهم وجه التاريخ ولنقتبس من سيرهم الأفكار والممارسات التى تناسبنا فى هذا الزمان ويجب أن نعلم أيضا أنه اذاملئت قلوبنا مثل ما ملئت قلوبهم فسيتضح ويظهر الأثر فى معاملاتنا مع الناس تلقائيا بشكل يناسب تركيبة كل واحد منا العضوية والنفسية ويتناسب مع تركيبة البيئة وطبيعة المعاملات الجارية فى هذا الزمن وهذه التراكيب اختلفت تماما عما كانت عليه أيام أجدادنا ! بل انه ثبت استحالة تكرر حدث ما بكل تفاصيله بعد كل خمسين سنة لأن بعد انقضاء هذه المدة تحدث تغيرات أخلاقية واجتماعية وفيزيائية تحيل تكرر الحدث بكل تفاصيله (قاله د. بكار) فكيف بمرور مئات السنين !
ومن لطيف الكلام الذى أحب نقله هنا ماقاله المنفلوطى فى النظرات 1-145 (أن جهلة المتدينين الذين يقلدون السلف الصالح فى تطهير الثياب وقلوبهم ملأى بالأقذار والأكدار ويجارونهم فى أداء صور العبادات وان كانوا لاينتهون عن فحشاء ولاعن منكرا وكمثل الذين يتشبهون بعمر فى ترقيع الثياب وان كانوا أحرص على الدنيا من صيارفة اليهود ) نقله عنه صاحب كتاب أدب تعامل السلف مع الناس
ومن هذه الملاحظات أيضا .
سعة العلم وأن لايأمن أحدُنا ويطمئن لاجتهاده فى اسقاط وتعميم ( اتباعه وتمثله لبعض هذه المآثر والفضائل ) مع كل الناس الذين نعرفهم ونقابلهم وفى كل الظروف ومجريات الأحداث .وسأضرب أمثلة لهذه الملاحظة وقد أطيل لأنها مهمة ومفيدة .
1- حينما نقرأ عن عظم منزلة العقل والعقلاء فى الاسلام ونقرأ فى سير سلفنا الصالح تطبيق ذلك فنظن أن التعاقل (أى استخدام العقل ) مع كل الناس محمدة !لكن من اتسع علمه يعرف ما قاله ونقله الامام الماوردى فى كتابه أدب الدنيا والدين عن أهل الحكمة والأدب أنهم قالوا ناصحين للعاقل بأن لايتعاقل مع الحمقى لأنه لو تعاقل معهم لأعلنوا عليه الحرب ! وفى زماننا هذا قد نجد أناسا فى مناصب اجتماعية عليا بل ومُشتهر عنهم طلب العلم لكنهم حمقى !
2- حينما نقرأ سير سلفنا وحياتهم المملوءة بالعوة والاستعلاء بدينهم وعدم قبولهم الهوان قد يظن أحدنا حال تعرض لاستهزاء واهانة بسبب التزامه بدين الله تبارك وتعالى ( خاصة فى بعض البلاد التى تستخدم حكومتها مثل هذه الأساليب مع الملتزمين . قد يظن أن هذا هوان بل ويصبر عليه صبر كصبر الأنعام بضمير ونفس الذليل الحقير المكسور (ثم يظل وعيه مأسور بهذه الأفكار السوداوية حتى بعد أن يرفه الله عنه هذاالبلاء فيصير انسانا محطما غير قادر على كثير من الفاعلية والعطاء فى مجتمعه وهذا هو مُباغى القوم على حسب ماتعلموه من أسيادهم فى الغرب الذين أبدعوا فى وسائل التعذيب بتقنيات علم النفس الحديث ) لكن لو كان عند هذا المبتلى سعة علم لعلم أن هذا الصبر فى هذا الموضع قد أمر الله به والله لايأمر بالهوان !(قاله د. ياسر برهامى ) ولعلم أو استحضر حال النبى (صلى الله عليه وسلم ) وبعض الصخابة كعمر رضى الله عنه وما فُعل بهم فى مرحلة الاستضعاف ثم كيف كان حالهم فى مرحلة التمكين من عزة واستعلاء ولعلم أيضا أن عندنا فى الاسلام أن الأمر الواقع ليس هو الذى نراه على الأرض والذى يشترك فى رؤيته والاعتراف به الخلق جميعا . ان الأمر الواقع هو ما رآه الشرع ( قاله الشيخ المقدم ) والشرع يرى هذا المبتلى المُهان كريما وعالى بالحق وبتأيد رب العالمين ويرى هذا الظالم أنه هو الحقير الذليل {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} (الحج:18).
3- حينما نقرأ سيرهم وكيف كانوا أذلاء على بعضهم هينين لينين متواضعين موطئ الأكناف قد نظن أن هذا الأخلاق يُتعامل بها مع كل مسلم طالما أنه مسلم . لكن من اتسع علمه يعلم المقولة القائلة أن (التكبر على المتكبر تواضع ) (1)
4- حينما نقرأ سيرهم وهديهم فى صحبة الصالحين القراء وتفضيلهم على الفساق قد نظن أن اتباع هذا الهدى مع كل قارئ وكل فاسق لكن من اتسع علمه يعلم المقولة القائلة (لأن أصاحب فاسقا أحب الى من أن أصاحب قارئا أحمق ) (2)
5- حينما نقرأ هديهم فى اسداء المعروف لكل مسلم وكذلك الايثار على النفس قد يظن أن اتباع هذا الهدى مع كل مسلم بل اذا منعته فطرته عن اسداء معروف ما لمسلم أحمق تنازعه نفسه اللوامة وشيطانه بأنه هو المقصر والمخالف لهدى الصحابة وأنه بخيل وأنه وأنه فيتدلى الى المنع بضمير المقصر لكن من اتسع علمه يعلم ماساقه الامام أحمد بن مروان بن محمد الدينورى بسنده عن عائشة عن أبيه قال قال بعض الحكماء .لاتضع معروفك عند فاحش ولا أحمق ولا لئيم فان الفاحش يرى ذلك ضعفا والأحمق لايعرف قدر ما أتيت اليه واللئيم سبخة لايُنبت ولايُتمر ولكن اذا أصبت المؤمن فازرعه معروفك تحصد به شكرا ( المجالسة وجواهر العلم 6-400 وقال بن مفلح وقد قيل كان يقال كما يُتوخى للوديعة أهل الأمانة والثقة كذلك ينبغى أن يُتوخى بالمعروف أهل الوفاء والشكر وقال قالسياسة الكلية افتقاد محال الانعام قبل الانعام ( الأداب الشرعية 1-397و400 (3)
6- والحمد لله رب العالمين
-----------------------------------------
1- سُئل الشيخ ياسر برهامى عنها فأقر المعنى لكنه استنكر لفظ التكبر وقال أن القرءان ذم المتكبرين باطلاق لكنه أمر بالانتصار (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ )فالمشروع الانتصار .
2- سُئل الشيخ ياسر برهامى عنها فقال مامفاده أن مصاحبة الفاسق ضارة وكذلك مصاحبة القارئ (أى حافظ القرءان والسنة) الذى لايفقه دينه ولايتعلم كذلك ضارة وسكت عن الأفضلية
3- كلا النقلين استفدتهما من كتاب أدب السلف فى التعامل مع الناس تأليف أبى عبد الرحمن رضا عبد الحميد فتح الله تقديم الدكتور ياسر برهامى والشيخ عمر عبد العزيز بن حميد والشيخ أحمد عبد العزيز الحداد رأيت أن أعزو نقلى عنه له وفاء لكتابه ومجهوده الرائه فى هذا الكتاب وأنصح بشراءهذا الكتاب
-------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة