ما الحكمة من تحريم الانتحار؟

ما الحكمة من تحريم الانتحار؟
سأل بعض الناس هذا السؤال، ما السبب في المنع من الانتحار غير أنه حرام؟ يعني ما العلة في تحريمه؟
أقول العلة هي أن الله خلق الخلق لينموا أنفسهم ويربوها وهذا هو مفهوم "التزكية " { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ }
التزكية أي: زكاء الشيء تنميته، التنمية تعني النمو في الطريق الصحيح السوي.
ولكن لا يعرف الإنسان الطريق الصحيح إلا إذا عرف الخطأ ليجتنبه، كالذي يحفظ شعرا أو قرآن كريم، لا يعرف الأبيات التي لم يحفظها إلا إذا أخطأ فيها حين يراجع حفظه على إنسان غيره، فلولا الكذب ما عُرف الصدق، ولولا الخطأ ما عُرف الصواب، ولولا الشُر ما عرف الخير، ولولا الكفر ما عُرف الايمان ... وهكذا
الإنسان المهتم بتنمية نفسه لن ينجح في طريق تنميتها إلا إذا كان لديه حساسية لاستشعار خطأه وفساده وشجاعة للإعتراف به أمام نفسه ومواجهته، لكن الإنسان دائما لا يوفق في الدنيا لاستكشاف كل ما به من فساد، إما لأنه أخطأ وفشل في أن يتعرف على وجه خطأه ويضع يده على سببه ويعالجه، أو لأنه لم تأتيه الفرصة ليعرف بعض ما به من فساد؛ بواسطة أخطاء ترتبط بتلك البؤر المعينة من فساده الداخلي، أي لا يحتك بظروف تظهر له فساده، فمثلا يكون من طبعه خيانة الأمانة، لكنه لم يُستأمن في حياته أبدا، فيظل طول عمره مغرورا في نفسه ويعتقد انه أمين! وهكذا...
ولذلك أخبرنا الله انه سيأتي أقوام كثيرين يوم القيامة يتضح لهم من فساد أعمالهم ما لم يكن لهم به علم ولا مجرد احتمال بتلوثهم بهذا الفساد أثناء كانوا أحياء في الدنيا {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} وذلك لأحد هذين السببين اللذين ذكرتهما.
والانتحار هو أحد الظروف الصعبة التي تمر بأحد الناس وتكون له محنة وصدمة، وفرصة لأن يعرف أنه على وشك الانهيار، وبالتالي يبحث عن السبل التي بها يضع يده بوضوح على ما به من عطب أدى به إلى هذه الرغبة في الانتحار ثم يعمل على حلها، وفي أثناء ذلك يتحلى بالصبر وحسن الظن بالله حيث أن الصبر هو أساس التزكية والتنمية ولذلك قال الله {ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ } وقال {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وحتى في علم النفس الفرويدي الحديث يرى "الصدمة النفسية" سببا ودافعا في تغيير المرء من نفسه لو أراد واهتم حقا بتغييرها ، وهذا الاهتمام يعين عليه الصبر والجدية في تنمية النفس والعمل على صرف وجهها عن الطريق الخطأ إلى الطريق الصحيح.
أما من ينتحر فهو بانتحاره يتخلص من هذه الفرصة (وهي الرغبة في الانتحار) بشكل غير تنموي، فبدلا من ان يستفيد منها في تنمية نفسه واستكشاف عطبه، استخدمها وجعلها سببا في تدمير حياته وهدمها بإماتتها بدلا من إعادة بناءها وتقويتها، ولذلك حرمه الله لأنه يناقض الحكمة من تقديره البلاء والأخطاء والعثرات على الناس.
خالد المرسي.

تعليقات

المشاركات الشائعة