هل تحرير الخلافات العقدية بين المسلمين والمسيحيين هي سبب الفتنة؟

هل تحرير الخلافات العقدية بين المسلمين والمسيحيين هي سبب الفتنة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب هذه الخاطرة على الفيس
"هل تظنون بإمامين كبيرين كابن تيمية وابن القيم وهما يعتقدان بحرمة أعياد المسيحيين الدينية كالكريسماس، أن لو كانا يعيشان في زماننا كانا كل سنة يفعلون ما يفعله السلفيون الذين ينتسبون زورا لهما، كانتظارهم هذا الوقت كل سنة لكي يقصوا ويلصقوا فتاوى شيوخهم ويدعون إلى مقاطعة هذه الأعياد فيحدثون بذلك شغبا عظيما ولغطا يوغر الصدور ويجعل ناسا كثيرين (لجهلهم) يظنون بالإسلام العظيم ظنونا باطلة. هل تظنون بهذين الإمامين ذلك؟!"
وهذا بيان لها.
اليوم صار الكثيرون ينسبون الفتنة والتشنجات التي تحدث بين الفترة والأخرى بين المسلمين والمسيحيين ينسبونها إلى مقولات وأراء للمسلمين كاعتقادهم بتكفير المسيحيين وتحريم بعضهم المشاركة في أعياد الكريسماس، وعلى ذلك توجهت خاطرتي وسؤالي فيها. فما ظنكم بهذين الإمامين إذن؟
لا شك أن القول بتحريم المشاركة وهو قول جادل عنه الإمامان وكتبا فيه، لو صح فإنه يستتبع شيئا من الحرج، فلأوضح قصدي ومقالي بما هو أجلى من هذا التحريم، وهي مقولات المسلمين في عقائدهم التي تناقض عقائد المسيحيين بحيث يستحيل إلا أن يكون أحد الاعتقادين صوابًا والثاني خطًأ، كقولنا بأن عيسى عبد الله ورسوله وقولهم بغيره، وقولنا أن محمدا رسول الله للعالمين بمن فيهم المسيحيين وأن عيسى بشّر بنبوته في الإنجيل وقولهم بخلاف ذلك، وكقولنا بوحدانية الله بأسمائه وصفاته المجمع عليها بيننا وقولهم بغير ذلك، لا شك أن اعتقاداتنا هذه من شأنها إحداث حرج ما بيننا وبينهم، فأي متدين (مسلم أو مسيحي) يجد حرجا في صدره إذا نبهه أحد على بطلان عقائد الكبرى وأن رموزه المقدسة كأنبياء الله لم يكونوا يعتقدون بعقائده تلك التي يظنها عقائدهم التي أوحاها الله إليهم، ولكن بالرغم من ذلك لا يصح أن ننسب إلى هذا الخلاف العقائدي أنه سبب الفتنة والدليل على ذلك سأشرحه وقد كتبته إلى أحد أشهر كتاب مصر المسيحيين وهو من القلائل الذين أقرأ لهم وأتخذه أستاذا وأثق في عقله وميزانه، فوافقني عليه.
تجدون شيوخ الصحوة الإسلامية الأوائل الذين ملأوا الدنيا علمًا إسلاميًا في زمنهم وانتشرت كتبهم بشكل مذهل في العالم الإسلامي! ولا يزال ولن يزال لتراثهم الشأو الأعلى في بيان حقيقة الإسلام في العصر الحديث، كرشيد رضا ومحمد دراز، فرشيد كان يكثر من الكتابة في بيان الحق فيما اختلفا فيه المسلمون والمسيحيون، وكان محمد دراز متخصصًا في العقائد وتوفي بمؤتمر حوار الأديان بلاهور، وكانت كتاباته تبين الحق صريحًا كما جاء في القرآن الكريم بلا مواربة ولا تزيين، وبالرغم من ذلك يُجمع الجميع اليوم على أنه لم يكن في زمانهم ذلك القلق المتردد على فترات بين المسلمين والمسيحيين، ولكنه بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي أي منذ بوادر الصحوة الإسلامية الثانية، مما يدل دلالة قطعية على أن اعتقاداتنا نحن المسلمين ليست هي العلة في ذلك القلق، وانتبه أيها القارئ إلى أن الشيخين كانا علماء وكان بيانهم على أوضح ما يكون من الدقة العلمية والوضوح بخلاف أهل الصحوة الثانية الذي لا يحسنون غير التحدث في الميكروفون!
إذن السبب ليس في العقائد ولكنه في شيوخ الصحوة الثانية الذين شوهوا البيان بجهلهم فنتج عنه عكس النتيجة الطبيعية التي يُفترض أن ينتجها لو كان أهل ذلك البيان علماء! إذ الجهال منذ قديم الزمان يريدون صدقا نصرة الإسلام لكن ممارستهم وتفكيرهم التفصيلي فيه يشوهه لا ينصره وبتعبير الإمام الشاطبي، فهم يريدون نصرة الإسلام لكنهم يضربون أصوله بفروعه، وواجباته بسننه، فيشوهونه كله!، فالإسلام دين واسع ممتلئ بالأحكام والعبر والأصول التي لا تدخل كلها فيه بنسب واحدة، ولذلك نجد فيه الأصل والفرع والوسيلة والغاية والواجب والمستحب والمكروه والمباح والتعبدي والمعقول ووو... وأي من هذه النسبة يجب على متناولها بالعمل أو بالدعوة إليها؛ أن يلحظ ارتباطها النسبي ببقية النسب في الإسلام، لأن دين الله ككلمة واحدة أو كخطاب واحد كما نص علماء الأصول، لا يدخله التناقض ولا الخلل، ثم –كذلك- إذا نظرت إلى الواقع الذي يُراد نصرة الإسلام فيه وجدته كذلك يضم عناصر مختلفة النسب في ارتباطها به ففيه مثلا ضروريات تقهر أهله ككون فلان الذي يريد نصرة الإسلام جاهلا به، فعليه أن يسكت لضرورة جهله، إلى غير ذلك من ضروريات وظروف وأحوال تستتبع اختلافات في التصرفات وردود الأفعال من الكلام او السكوت أو حصر الكلام في منابر مخصصة له أو الإحالة إلى عالم أو أو...
لحظ ذلك الأمر العويص يحتاج إلى علماء يكونون هم المرجع لكل من يريد نصرة الإسلام، ولكن الصحوة الثانية تميزت بجرأة الجهال، أناس ليسوا علماء ولا يعرفون لأهل العلم سبيلاً واضحًا لاحبًا غير منقوص ولا مشوه! وقديما قال الشاعر
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم, وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
فهل فُهم أين العلة وأين السبب؟ فلا داعي للظلم والحف والخوض في الوهم.
والحمد لله رب العالمين
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة