تعليقاتي على كتاب "روح الدين" للدكتور طه عبد الرحمن (7)

تعليقاتي على كتاب "روح الدين" للدكتور طه عبد الرحمن (7)
يقول الدكتور في ص 70 تحت عنوان "مبدأ التكامل وشمول التشهيد" :"يقضي مبدأ التكامل بأن شمول التشهيد لا يتحقق إلا إذا ظهر اتساق الدين، بحيث لا تنفك مضامين أحكامه بعضها عن بعض، ولا تتضارب صورها فيما بينها، وإذا ظهر اتساعه بحيث يتحرى في تشريع أحكامه الجمع لا التفريق..."
ثم يتحدث عن أحد أصول الدين عنده ويسميه "الإتساع" ويجزءه لجزئين أحدهما "السعة الجمعية" يقول ص 77:" مفهوم السعة الجمعية: ينظر الدين إلى الأشياء في كل سياق، كائنا ما كانت حدوده، لا على أنها تفاريق يعرض لها الوصل من خارج، وإنما بعكس ذلك، على أنها مجاميع يعرض لها الفصل من خارج، لذا، فهو يقرب بين المتباعدات، ويؤلف بن المختلفات، ويصل بين المنفصلات، بل إنه يجمع بين المتباينات، كأنما الأصل في الأشياء الجمع، ولا يصار إلى التفريق بينها إلا بدليل؛ وحتى إذا قام الفرق بينها لظهور الدليل، فلا تجاوز رتبتُه الوجودية رتبةَ الظاهر الذي لا يفيد التمكين، ولا تجاوز رتبتُه المعرفية رتبة المظنون الذي لا يفيد التحقيق."
هذا كلام خرافي بامتياز، وعكسه هو الحق، ولذلك سمي القرآن الكريم "الفرقان" قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} يقول الإمام "ابن القيم" :"الفرقُ أصلُ الهدى، والجمعُ أصلُ الضلال"
 فما التحليل الفكري والنفسي لانحراف د. طه هذا؟
 هو الخرافة التي تشبع بها ويتشبع بمثلها كل مفكري العرب في العصر الحديث (إلا من رحم الله) كما أثبتت ذلك دراسات غربية واسرائيلية حول عقول مفكرينا "تنسب إلى دول العالم المتقدم خاصية في التفكير والبحث العلمي وهي (النظرة التفصيلية) وتنسب إلى دول العالم المتخلف كالدول العربية الإسلامية اليوم خاصية (النظرة الشمولية) إذ المعرفة الصحيحة لا تُكتشف إلا بعد تقسيمها إلى عدد كبير من الحالات والقضايا الفردية المستقلة.."
 وقبلها أثبته القرآن الكريم وأئمة تفسيره! يقول الله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (يونس:6) يقول الإمام "ابن عطية" في كتاب " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" في قوله تعالى { يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} :" إنما خصهم لأن نَفع التفصيل فيهم ظهر وعليهم أضاء، وإن كان التفصيل إنما وقع مجملاً للكل مُعدًا ليحصّله الجميع"
أهل التفكير العلمي يرون دنياهم (وهي ساحة تفكيرهم) يرونها زاخرة وحافلة بالتفاصيل الصغيرة، وكلما دق فكرهم تعمقوا أكثر في رؤية ما هو أصغر وأصغر، ومبدعوهم يفتتون الصغير إلى ما هو أصغر منه وفقًا لما يتطلبه التحليل المعاصر من تفتيت، فتفكيرهم سماه أحد مفكري أوروبا المعاصرين ب "الذري" فبينما "أهل التفكير الخرافي" يرون  ساحة دنياهم وكذلك دينهم الحق، بهذا الشكل الحافل إذا بأهل "التفكير الخرافي" لا يرون غير خلاء خاويًا، وتعجز عيون عقلهم عن أن ترى امتلاءَ، ولذلك سببان أحدهما وراثي فطري وثانيهما كسبي، والسبب الأول يمتنع في قومنا لأن تعليمهم عالي وهم على قدر جيد من الذكاء، إذا فهو السبب الثاني "الاكتساب" وقد اكتسبوا هذا العجز، بسبب عدم درسهم الإسلام (كعلم بالشكل الذي أشرت اليه سابقا) فجهلوا النظرية والمفاهيم الرئيسية وكم المرتكزات الفكرية التي بها تُعلق بها سلاسل الأفكار لتأخذ كل فكرة معناها الصادق ثم باجتماع كم تلك الأفكار يأخذ البناء الفكري برمته معناه الصادق، فتصل بهم أفكارهم الصادقة وأبنيتهم الصادقة وتتيح لهم أن يتعمقوا في الظواهر الإنسانية وفي حقيقة الدين ليوفقوا بإذن الله إلى الفهم ثم التحكم والتغيير، وعلى الرغم من ذلك العجز؛ يجد "أهل الخرافة" مددًا عظيمًا يمكنهم من مزاولة تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات حتى يشكِل أمرُهم في نظر من لا يعلم كيف يفرق بين أهل التفكير العلمي وأهل التفكير الخرافي، وذلك لاشتراك طريقة تفكير الفريقين في أوجه شبه كثيرة (وقد أشرت لذلك في حديثي عن العلاقة بين المجملات وتفاصيلها في كل من (العقائد والحقائق) في مقالي هذا  http://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2016/03/blog-post_7.html
وكذلك يجدون مددا من اللغة المنطوقة والمكتوبة لقابليتها للتشكل حسبما يريد ''الخرافي'' بوحي من ''لا وعيه'' ومن ''ما تحت مستوى شعوره''

تعليقات

المشاركات الشائعة