العلاقة بين الفكر والأدب، بين محمد دراز وسيد قطب

كتبت هذه الفقرة فدار حولها نقاش بيني وبين أحد الإخوة سأنقله بكلامه كله على ما فيه من تجاوزات في حقي ولكن لأهمية رؤية صورة معبرة عن روح النقاش.

"أحد الناس سأل عن العلاقة النظرية بين كتاب "النبأ العظيم" للإمام محمد دراز، وبين كتاب "التصوير الفني في القرآن" للأستاذ سيد قطب -رحمهما الله -
وأقول ما العلاقة بينهما في الأساس أصلا؟!
الأستاذ سيد قطب كاتب من كتاب الخيال والأدب، أما الدكتور محمد دراز فهو عالِم أي كاتب علمي لا في الخيال. والمقارنة تكون بين أهل جنس واحد، الكتاب الخياليين أو الكتاب العلميين.
تنبيه: لم أنتقص من قدر كتاب سيد قطب، ولكن نبهت إلى تخصصه ومجاله الذي قد يكون كتابا ممتازا فيه، فمثلا الكتاب الطبي ممتاز ككتاب طبي لا كتاب هندسي، اعرفوا الفرق بين الأدب والشعر وبين العلم.

النقاش:

Abu-Bakr Abd El-Wahab: وكيف حكمت على كتاب " التصوير الفني في القرءان " أنه من الخيال؟

خالد المرسي: لأن مؤلفه من كتاب الخيال لا الكتاب العلميين.

Abu-Bakr Abd El-Wahab: كلامك خيال يا أخي لا تحكم على العلماء، وخصوصا كتاب بهذه القيمة!.

دائما تعصبك للشيخ دارز يجعلك تقدح في غيره، عهدت كذلك!.

خالد المرسي: لم أنتقص من قدر كتاب سيد قطب، ولكن نبهت إلى تخصصه ومجاله الذي قد يكون كتابا ممتازا فيه، فمثلا الكتاب الطبي ممتاز ككتاب طبي لا كتاب هندسي، اعرفوا الفرق بين الأدب والشعر وبين العلم.

Abu-Bakr Abd El-Wahab: وهل الأدب والشعر ليس علما؟!

عن أي علم تتكلم يا أخي، والله ما الخيال إلا كلامك، وترى في نفسك الأهلية للحكم على كتاب سيد قطب؟!

كان ابن عباس يفسر القرءان بالشعر، وكتاب التصوير الفني فريدا من نوعه في الدفاع عن القرءان وعن القصص القرءاني وبيان جوانب عظمته!.

خالد المرسي: الأدب والشعر من جنس الفنون لا العلوم الإنسانية، فالفنون تعتمد على الخيال واللغة وأساليبها وبلاغتها وتذويقها والانفعال التلقائي للوجدان وتعطي لكل هذه المعايير الأولوية القصوى ثم تستخدم العلم والفكر كوسيلة من وسائل التأثير على الناس من حيث كونه يعبر عن حقائق ما ينفعل معها الناس ويهتمون بمعرفتها. أما العلوم الإنسانية فالعكس من ذلك تعتبر مقاييس العلم ونظرياته ومناهجه وخطواته هي الأساس وما اللغة أو البلاغة والتذويق ومخاطبة الوجدان إلا وسيلة فقط لتقرير مبادئ العلم وحقائقه ومفاهيمه.

Abu-Bakr Abd El-Wahab: واللغة والأدب فن أم علم؟!

والنقد الأدبي والمسرحي، وإبراز جوانب القصص القرءاني وبلاغتها وأسلوب الإعجاز فيها، هل ذلك من سبيل الوجدان والخيال أم هو الكشف عن أسس علمية وجوانب بلاغية وإعجازية في العرض القصصي في القرءان؟!

الفن:هو التطبيقُ العمليُّ للنَّظريات العلميٌة بالوسائل التي تحقِّقها.وسيلته: الوجدان والحدس.
العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع و هو يمثل اليقين والحكم الجازم غير القابل للتشكيك.وسيلته :الملكة أوالعقل (يستطيع من خلالها إدراك الأحكام الجزئية)
إذا جوانب العظمة والإعجاز في البيان القرءاني هل هو من سبيل الوجدان الذي يراه كل حسب وجدانه أم هو علم له أسس وقواعد ؟!

خالد المرسي: أستاذ أبو بكر: لا أخالفك في أغلب ما قلت، ولكن للتوضيح أقول: كون المجال له أسس وقواعد لا يعني أنه مصدر يؤخذ منه ما يؤخذ من غيره من المصادر، فمثلا علم الطب له أسس وقواعد، وذلك لا يعني أن الطب سيعلمنا الهندسة أو سيعلمنا العلوم السياسية.

 فمثلا عندك الموسيقى والرياضة هما لهما أسس وقواعد حتى صارت لهما جامعات ودرجات علمية تُمنح حتى درجة الدكتوراة، فهل ذلك يعني أنه بإمكاننا أن نأخذ منهما الحقائق التي نأخذها من علمي الطب والهندسة وعلم التجارة والعلوم الدينية والعلوم الاجتماعية والسياسية؟ لا طبعا، ولكنهما علم باعتبار ما ذكرتَ أنت من أن لهما أسس وقواعد تُتعلم وتُنال بها الدرجات العلمية. فكذلك اللغات والأدب والشعر، فالأدب والشعر يعتمدان على الخيال لكنه الخيال المنظم وذلك كالموسيقى تعتمد على الخيال الوجداني لكنه المنظم ويدخل فيها الابداع لذلك حتى قالوا في مقطوعة بيتهوفن المشهورة أن إبداعها العالي يتعلق بنظامها الدائري وكذلك يؤكدون على ضرورة ديمقراطية الموسيقى من الداخل، فإذن هذا الخيال فيه إبداع وكذلك فيه إعجاز ومنه أحد أنواع الإعجاز القرآني الموسيقي الصوتي الإيقاعي الذي تطرق له الدكتور دراز سريعا في كتاب النبأ العظيم، ولكنه يبقى في حيز الفن والخيال الموسيقي، وكذلك الإعجاز اللغوي البلاغي يبقى في حيز اللغات والبلاغة والخيال الراقي المبدع الذي يستعمل مفردات اللغة وأساليبها استعمالا يعجز عن مثله البشر، ولكن ذلك لا يعني أننا نأخذ من هذه الفنون المنظمة ما نأخذه من العلوم السياسية والاجتماعية، فالعلاقة بينهما بينتها سابقا مما يجعل كليهما مجالا متخصصا ومختلفا عن الآخر لا يمكن المقارنة بينهما لاختلاف جنسيهما ومناهجهما البحثية وأهدافهما العلمية. فنتاج الأستاذ سيد قطب يظهر الإعجاز القرآني في مجالات الفن كالتعبير الأدبي والبلاغي البياني والإعجاز في تصوير المعاني بهذه التعبيرات، بينما نتاج الدكتور محمد دراز يظهر الإعجاز الفكري في الأساس الذي يتناول شئون تنظيم المجتمعات وإدارة المعرفة وهذا النوع من الإعجاز هو المقصد الأول من إنزال الكتب وإرسال الرسل من السماء، وغيره من أنواع الإعجاز وسيلة فقط له، وذلك لا ينقص من قدر أحد، ولكن يعرفنا الفروق بين المجالات والتخصصات لننجح في تحديد وجهتنا التي تفي بأغراضنا ولا نتخبط ونقع في وهم المعرفة. ولو أن من يُسمون علماء الإسلام في عصرنا هذا درسوا الفكر والعلوم الاجتماعية المعاصرة لعرفوا قيمة نتاج الدكتور دراز ولفهموه وعرفوا من هو وما قدره!!! ولكننا نرزح في تخلفنا الفكري.

وبخصوص قولك :"الفن:هو التطبيقُ العمليُّ للنَّظريات العلميٌة بالوسائل التي تحقِّقها.وسيلته: الوجدان والحدس." فهذا خطأ، لأن النظريات العلمية ليست عامة لكل العلوم، ولكنها متخصصة فهناك نظريات خاصة بالموسيقى وأخرى خاصة بالطب وأخرى بالهندسة وأخرى بالعلوم السياسية ...الخ، فالتطبيق لهذه النظريات يختلف باختلاف مجالها، يعني التطبيق يكون بمواد من داخل النظريات ذاتها مناسب لخصائصها ولمجالها المنفرد، فالتطبيق في العلوم والفنون يكون بوضع البرامج والخطط والسياسات العامة والاستراتيجيات وإجراء البحوث التطبيقية والمتابعات والتقييم...الخ، وهذه العمليات التطبيقية تستمد موادها الفكرية من رحم نظرياتها العلمية الخارجة من رحم علم معين ومجال معين، فلا يمكن تعميم التطبيق بمادة واحدة على كل العلوم والفنون كما ذكرتَ.

وبخصوص قولك :" العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع و هو يمثل اليقين والحكم الجازم غير القابل للتشكيك.وسيلته :الملكة أوالعقل (يستطيع من خلالها إدراك الأحكام الجزئية)" لا أخالفك كثيرا فيه ولكنه أيضا عام جدا، ولم يتعرض للخصوصيات، ولا يمكن تعميم منهج واحد لكل العلوم والفنون، فحين نتكلم لا يمكن الكلام بهذا العموم الذي ذكرتَه، ولكن نتكلم وفقا لمجال معين فنقول كيف نستنبط العلم في مجال اللغة العربية؟ ثم الانجليزية؟ ثم الطب؟ ثم الهندسة والتجارة والموسيقى والصيدلة والفيزياء والزراعة مثلا...؟... الخ لنجيب بأنه لكي تُحصّل العلم في مجال ما من هذه المجالات عليك دراسة نظرياتها وقواعدها وأسسها التي تناسب خصائص المجال ذاته وطبيعته ثم تستعمل تلك القواعد والنظريات في استخراج العلم وتحقيق العلم بهذا المجال