مقال ماذا سيحدث إذا تأسلمت المعرفة؟ بتعليقاته

ماذا سيحدث إذا تأسلمت المعرفة؟

بقلم – خالد المرسي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :

هذا نص كلام للفيلسوف المؤرخ " ر. ج . كولنجوود" يعلق فيه على ما اقتبسه من نصوص للفيلسوف المشهور " هيوم" أحد رواد علم الطبيعة الإنسانية في عصرنا الحديث ثم أتبعه بمقالي:" " هيوم" في مقدمة كتابه " بحث في الطبيعة الإنسانية" يعرض لمنهاج الكتاب بقوله، إن كل العلوم ذات صلة بالطبيعة الإنسانية تتفاوت من حيث القوة والضعف، ومهما يكن من سعة الفارق بين علم من هذه العلوم، وبين الطبيعة الإنسانية، فمردها كلها إلى هذه الطبيعة عن طريق أو آخر، وهذا يصدق حتى على الرياضة البحتة والفلسفة الطبيعية والدين الطبيعي أي أن العلوم الثلاثة التي قال بها ديكارت وهي الرياضة البحتة والطبيعة والميتافيزيقا " تعتمد إلى حد ما، على علم الإنسان ما دامت تقع في محيط الآدميين وتقاس قيمتها بمقياس قواهم وملكاتهم العقلية": وتجد نتيجة لهذا " أن علم الإنسان، ونعني به العلم الذي يبحث في أداة البرهنة العقلية وأسسها وعملياتها"، وكذلك " ميولنا وعواطفنا"، " والأفراد الذين يجمع بينهم مجتمع واحد"، هو الأساس القويم لكل العلوم الأخرى".(1)، يقول كولنجوود " لم يعتقد هيوم أن العقل يتعلم كيف يفكر ويعمل بأساليب جديدة في مراحل نشاطه التطورية. لقد اعتقد بلا شك أن علمه الجديد عن الطبيعة الإنسانية لو صادف نجاحا، لانتهى إلى تقدم جديد في الفنون والعلوم" (2) ويقول كولنجوود:" نريد أن نقول إن المعرفة بالنفس أمر مرغوب فيه وهام بالنسبة للإنسان، لا من أجل هذه المعرفة ذاتها، ولكن لأنها شرط يتعذر بدونه إرساء أية معرفة أخرى على أسس علمية سليمة، أو تبريرها استنادا إلى أسلوب النقد والتحليل العلمي"(3) " يقول هيوم في هذا الصدد: واضح أن لكل العلوم صلة مباشرة أو غير مباشرة بالطبيعة الإنسانية، إذ الواقع هو أن هذه العلوم كلها في متناول تفكير الناس، الذين يقيسونها بمقياس قواهم العقلية وملكاتهم، ومن العسير أن نتبين مدى ما كنا نستحدث من تغيير وتحسين في هذه العلوم، لو كنا على بينة كافية بمدى العقلية الإنسانية ومبلغها من القوة" يعلق كولنجوود قائلا: وفي العلوم ذات الصلة المباشرة بالطبيعة الإنسانية، كعلمي الأخلاق والسياسة، يبدو أن أمله في مدى التغيير الجامح الممكن استحداثة في هذه العلوم خدمة للصالح العام كان أبعد مما يمكن في العلوم الأخر. يقول هيوم:" وإذن فالذي يحدث في الواقع، حين نقصد إلى تفسير الأسس التي تقوم عليها الطبيعة الإنسانية، هو أننا نكون بصدد وضع النظريات الكاملة التي تنتظم هذه العلوم، نظريات تستند إلى أساس جديد بحت، وهو الأساس الوحيد الذي يضمن سدادها وسلامتها" (4)

 ترون الكلام يشمل كل العلوم حتى الطبيعية لكنه يخص العلوم ذات الصلة المباشرة بالطبيعة الإنسانية كالعلوم الاجتماعية.

أريد بنقل هذا الكلام تنبيه نخبتنا المسلمة المعارضة لأسلمة المعرفة، تعارضه رغم أنها لم تدرس الإسلام يعارضون بغير علم وهم العلماء! ولقد اعترف الفلاسفة الذين بحثوا الطبيعة الإنسانية باستحالة معرفة الإنسان نفسَه! وقد صدقوا لأن الاكتفاء بالتفكير العقلي في هذا الموضوع لن يوصل إلا إلى أصول إنسانية عامة مشتركة بين كل البشر هي مجملات مبهمة غامضة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا كبير فائدة لها؛ كشأن الاكتفاء بالتفكير العقلي في مبدأ الإنسان ومصيره بعد الموت لم يصلوا – كذلك - إلا إلى أصول عامة من جنس وجود اله واحد خالق المخلوقات قادر عليم حكيم...الخ وهي أصول صحيحة لكنها مجملة غامضة لا تكفي حاجة الإنسان الضرورية من المعرفة والعيش الطيب.

نص هيوم وغيره يتحدث – من دون قصد - في إسلامية المعرفة لأن موضوع دين الإسلام هو في الطبيعة البشرية لا غير! ولا يتحدث في سواها من العلوم الطبيعية إلا عرضا ليستدل بها على موضوعه الأساسي، فيستحيل أن يعرف الإنسان نفسه إلا بمعرفة آتية من خارجه من شيء مباين له ، يدرك الإنسان بكل وضوح الفرق بينه وبين ذلك المباين له، ولو أتته تلك المعرفة من إنسان مثله مهما كان عبقريا لشكّ فيها لأنه حين يراه ناقصا محتاجا كشأن كل البشر لا يستطيع كفّ نفسه عن التشوق لمعرفة أخرى عند غيره ممن هو أكمل منه – هذا لو فهمها أصلا! ولا يفهمها غير الفلاسفة!!-، فكانت المعرفة الصحيحة هي الآتية من عند خالق الكون الذي أحاط بعلمه وقدرته وحكمته  بكل شيء فيبدأ الخالق بإرسال رسول من البشر ليتسنى لهم فهم ما ينقله إليهم من علوم الوحي، يبدأ الخالق بأن يعرف بنفسه للإنسان، فيعرّفنا من هو وإن كنا لن نراه في الدنيا إلا أنه يتعرف إلينا بأسماءه وصفاته على وجه التفصيل، فإذا رأى الإنسان ما لله من الأسماء الحسنى والصفات العلى ورأى تناسبها مع العقل والفطرة والكمال المطلق اطمئن لهذا الخالق ولم يتشوف إلى غيره، وبدأ يتلقى منه أحكام الشريعة وأحكام الجزاء الأخروي، وتلك الأحكام هي هيكل العقيدة ، كمالُها وصدقُها تابعان لكمال وصدق أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وكلها تدور حول طبيعة الإنسان كيف ستكون إذا هو كفر بالله أو أشرك أو اكتفى بأصل الإيمان أو الإيمان الواجب أو الإيمان الكامل أو صدق في إسلامه لكن خالطه ببدع أو إذا فعل الخير المعروف بالعقل وحده على صفة غير إسلامية؟ وهل ستتغير هذه الطبيعة في حال الفرد الذي يفعل ما تقتضيه عنها في حال المجتمع إذا تلبس بها؟ وإلى أي مدي سيكون هذا التغير؟...الخ يقول الله تعالى {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟!}.

 وأنبه إلى أن معرفة هدي الإسلام في كل ذلك ستكون بلا فائدة ما لم تقترن بمعرفة ما أُحدث بدله، لأن الدين إذا هُجر أو جُهل به أُلِف ضدُّه وعلم حتما كما قال "ابن تيمية" عن فكر أهل البدع: " لا تجد أحدا ترك بعض السنة التي يجب التصديق بها والعمل إلا وقع في بدعة، ولا تجد صاحب بدعة إلا ترك شيئا من السنة، كما جاء في الحديث" ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها" رواه الإمام أحمد، وقد قال الله تعالى {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} فلما تركوا حظا مما ذكروا به أعاضوا بغيره فوقعت بينهم العداوة والبغضاء، وقال تعالى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أي عن الذكر الذي أنزله الرحمن، وقال تعالى {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} وقال {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} فأمر باتباع ما أنزل ونهى عما يضاد ذلك وهو اتباع أولياء من دونه، فمن لم يتبع أحدهما اتبع الآخر ولهذا قال العلماء: من لم يكن متبعا سبيلهم كان متبعا غير سبيلهم"(5)

 فتعلُّم علم الإسلام يجب أن يتم بهذين الوجهين" السنة والبدعة" وهو علم يبحث في كل رأي حادث يخالف الإسلام " أصولا وفروعا" لأن " التشريع الإسلامي لم يدع شأنا قط من شؤون الإنسان في خاصة نفسه أو في علاقته بالخالق أو المخلوق إلا وضع له قانونا يرجع فيه إليه، وأعطاه حكما معينا يحكم به عليه أمرا أو نهيا أو تخييرا"(6)

وتقرأ في سبب جهل الدارسين بهذا العلم الأعظم قول ابن تيمية :" ولا ريب أن هذا يشكل على كثير من الناس لعدم علمهم بالنصوص ودلالتها على المقاصد، ولعدم علمهم بما أُحدث من الرأي والعمل، وكيف يُرد ذلك إلى السنة، كما قال عمر بن الخطاب: ردوا الجهالات إلى السنة."(7)

 وواضح أنه يقصد بدع زمان أهل التكليف الأحياء لا الأموات فقط! لأن المعلوم من الدين بالضرورة أنه صالح لكل زمان ومكان وأنه يجب الالتزام به في كل زمان وكل مكان لا أنه خاص بزمن الأموات ويستثنى منه زماننا مثلا!! وهذا معنى ما قاله العلماء إن البدع تتجدد بتجدد الزمان والناس ولا يمكن حصرها في زمان ما قال الإمام الشاطبي:" إنها خطوط متعددة غير محصورة بعدد، فلم يكن لنا سبيل إلى حصر عددها من جهة النقل، ولا لنا أيضا سبيل إلى حصرها من جهة العقل أو الاستقراء"(8)

وحيث أن من يفكر ويجتهد في الطبيعة الإنسانية " الإنسان منفردا ومجتمعا" هم علماء الغرب وقد أنتج تفكيرهم ما يُسمى اليوم " العلوم الاجتماعية" وكان يجهلون دين الإسلام لزم من ذلك أن يكون فكرهم مشتملا على بدع الدين المكفرة والمفسقة والمكروهة، وحتى إن اشتمل على خير صحيح بالعقل فلا يصير إسلاميا إلا بتبديل صفته. فتلك العلوم إذن تبحث في موضوع الإسلام فهي تنازعه التفكير ولكن أهلها كما هو معروف حاربوا دينهم الذي نعتقد أنه غير صحيح ولم يحاربوا الإسلام لأنهم لم يعرفوه أصلا.

واشتمال هذه العلوم على البدع لازم حتما كما هو معروف في علم السنة والبدعة. ويزيد يقيننا بهذا أن تعرف أن مفكري الغرب أنفسهم يعترفون بأن علومهم الاجتماعية الناشئة منذ مئتين سنة تقريبا نشأت لتحل محل علوم علماء اللاهوت " الدين"، ونشأ علماء الاجتماع " المثقفون" ليحلوا محل علماء اللاهوت، ونشأت المباني المعمارية التي يعمل فيها علماء الاجتماع وهي الجامعات لتحل محل المباني التي يعمل فيها علماء اللاهوت وهي الكنائس، لينظموا المجتمع ويرشدونه ( فردا ومجتمعا) إلى ما يصلحه ويجعله مجتمعا سليما ويتحكمون فيه ويسوسونه ويشكلونه بمقتضى تفكيرهم.

 فهل هناك دليل أصرح من ذلك على أن تلك العلوم تنازع علم الدين التخصصَ والموضوعَ وتسعى للإحلال محله!!!.

 كل ذلك  يعني أنه لكي نعرف ما تدل عليه مقولة هيوم في إسلامية المعرفو علينا أن ندرس الإسلام وما حدث فيه منذ نشأة البدع في بلاد الإسلام حتى نعرف كيف واجه أئمتنا هذه البدع وكيف كان منهجهم التفكيري في وزن هذه البدع وردها وبيان صحيحها وخطأها بميزان الإسلام بيانا واضحا شافيا لكي نفعل مثلما فعلوا مع البدع الحديثة الناشئة في زماننا وتكون نتاج تلك البحوث التي تحتاج إلى جيوش جرارة من العلماء هي ما ستفصّل لنا المجمل في كلام هيوم وفي كلام الداعين إلى إسلامية المعرفة.

تنبيه هام جدا: العمل على أسلمة المعارف فرض كفائي على الأمة لو لم يقم بعض أبنائها به وقعوا كلهم في الإثم! وما أدراكم بإثم يتوزع على المنهي عنه شرعًا من أصول الدين وفروعه!!! فيجب وجوبا عينيا على كل مثقف وكل عالم شرعي قادر على ذلك (9).

والحمد لله رب العالمين.

ويسعدني أن يفتح حول الموضوع نقاش دائم موسع نقد ا أو إضافة وإن كان البعض يستحي من عرض رأيه المخالف حتى لا يطعن جاهل في دينه فيمكن النقاش باسم مستعار في موقع المقال أو على هذا البريد elmorsykhalid@gmail.com

(1)          ر . ج . كولنجوود، فكرة التاريخ، ترجمة: محمد بكير خليل، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2012، ص 157.

(2)          المصدر السابق، ص 159.

(3)          المصدر السابق، ص 362.

(4)          المصدر السابق، ص 365.

(5)          ابن تيمية، الإيمان،تحقيق: محمد خليل هراس، دار الطباعة المحمدية، ص 148. وانظر في هذا المعنى للإمام " أبي اسحاق الشاطبي"، الاعتصام، تحقيق مشهور آل سلمان، ج 1 ص 24.

(6)          محمد دراز، الميزان بين السنة والبدعة، تحقيق أحمد فضلية، دار القلم، 2010، ص 50، 51.

(7)          ابن تيمية، الاستقامة، تحقيق محمد رشاد سالم، ج 1 ص 5.

(8)          الشاطبي، مرجع سابق، ج 2 ص 11.  

(9)          محمد دراز، تقدمته لكتاب الظاهرة القرآنية ، مالك بن نبي.

التعليق الأول:

هذا مقال يبين بدعية علم الاجتماع. أنا أعتقد أن هذا العلم هو أعظم بدعة نشأت في تاريخ الإنسانية وأعظم من بدعة التفكير الفلسفي فيما لا تصل اليه العقول. وهو أعظم من بدعة التفكير الفلسفي من جهتين 1- حداثة موضوعه فلم تتناوله أقلام وفكر الأئمة المجددين مثلما تناول فكرهم وقلمُهم التفلسف الناشئ موضوعه منذ آلاف السنين. 2- بالاضافة لحداثة الموضوع نضيف تعقد الموضوع، واختلاط ما لله وما للبشر اختلاطا معقدا لم يحدث مثله في التفكير الفلسفي، لأن التفكير الفلسفي كان خلله هو النزوع إلى الأسئلة الوجودية الكبرى أي الى السماء أعظم من خلله في التفكير الاجتماعي الدنيوي، بينما العلوم الاجتماعية تعمقت في التفكير في الدنيا التي هي مناط التكليف ومحله ووجهه الثاني، فالفصل بين ما لله وما للبشر في الفلسفة أيسر ملايين المرات من هذا الفصل في العلوم الاجتماعية - وقد فصل فيها الأئمة منذ مئات السنوات واتضح الأمر -. فنحتاج إلى ثلاثة أمور ليتم هذا الفصل1- معرفة حقيقة دين الإسلام ، 2- حقيقة علم الاجتماع 3- إقامة العلاقة بينهما لنفصل. ووجه الصعوبة في هذه الأمور هو في رقم 1- طريقه حالك الظلمات كما يقول رشيد رضا! بل ويقول إن كثيرا من علماء الدين لا يفهمونه على وجهه!!، أما رقم 2- كذلك لأن أهل هذا العلم ذاته يقولون إنه دائم البحث عن نفسه! أي: لا معنى له. 3- قد لا تتيسر



الثاني:

-لم أقصد إنكار علمية علم الاجتماع مطلقا، فهو علم بل هو المقصد الأعظم من إنزال الدين لو كان نتاج تفكير العالمين بالإسلام، وهو علم " لَا يَعْلُوهُ إِلَّا الْعِلْمُ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، بَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ طُرُقِهِ وَوَسَائِلِهِ" كما يقول الشيخ رشيد رضا، ولا يصح حصره على ابن خلدون لأن هذا العلم له أبعاد كثيرة تكشف عن حقيقة المجتمع وأفراده وتفسره وتتحكم فيه، فابن خلدون درس أحد أبعاده المناسبة لتخصصه كمؤرخ، وهناك أئمة غيره درسوا المجتمع في أبعاد أخرى تناسب تخصصاتهم كابن تيمية والشاطبي وغيرهم، فهو علم ذي أبعاد كثيرة إذا كانن تاج تفكير عالمين بالإسلام. أما علم الاجتماع إذا كان نتاج تفكير من لا يعرف الإسلام معرفة صحيحة لا مشوهة كنتاج تفكير علماء الغرب، فيكون علما من جهة أن موضوعه يقبل التنظيم حين يُفكَّر فيه ثم حين يتم وضع هذا التفكير المنظم في تقارير مكتوبة ( كتب، مقالات، أبحاث) فهو علم من هذه الجهة لكنه ليس علما من جهة أنه لا يُوصل المجتمع بأفراده إلى التقدم كما يظن علماؤه الغربيون، فلن يستفيدوا منه شيئا غير إرهاق البشر بنتاج تفكيرهم وزيادة المشاكل كما هو ظاهر في دنيا اليوم. فلو فهم علماء الدين وباحثوه المعاصرون الإسلام كما ينبغي ودرسوا المجتمع دراسة إسلامية لاستفادوا من الجهة العلمية في علم الاجتماع الغربي - سابقة الذكر - من حيث كونها نتاج مُنظم اكتشفه باحثوه كاكتشافاتهم في العلوم الطبيعية التي لا فرق فيها من مؤمن وملحد - وإن كانت نسبة الصدق في نظرهم في العلوم الطبيعية أكبر منها في العلوم الاجتماعية - لن لن نعدم فائدة منهم لو أخذناه تابعة لتفكيرنا الخاص الملائم مع علم الإسلام

الثالث:

هذا تعليق أرسلته احدى أساتذتي فيه أن في علم الاجتماع الغربي تيار ديني وليس كله علم علماني، فكان هذا ردي : جزاكم الله خيرا. لعل تعليق حضرتك متوجه لكلامي الذي في المقال عن إرادة علماء الاجتماع أن يحلوا محل الدين، لا متوجها إلى الفقرة المرسلة لوحدها عن اعتقادي في بدعية هذا العلم. وبناء على ذلك أقول: إني لم أقصد بفقرة المقال إلا التنبيه على بعض علماء الدين الذين يظنون العلاقة بين علم الاسلام وبين العلوم الاجتماعية كالعلاقة بين علم الاسلام وبين العلوم الطبيعية كما قرأت ذلك للجنة متخصصة في أسلمة المعرفة في جامعة الامام محمد بن سعود - على ما أظن - فأردت أن أقول لهم هناك علاقة تنازع بينهما في الموضوع في أصل المنشأ فأعيدوا النظر في هذه العلاقة. أما عن الاتجاه اللاديني في التيار العضوي والاتجاه العلماني في التيار التجريبي فكلاهما تيار ديني. لأن كل إنسان أو جماعة أو مذهب هو ديني. ولذلك لو قرأنا أي مضمون مقال أو بحث لمفكر يكتب عن " اللادينية" أو " العلمانية" أو " إقصاء الدين" لوجدنا أن العنوان يوحي باقصاء الدين كلية لكن المضمون يدل على أن هذا الاقصاء الكلي غير مقصود إطلاقا - وإن كان يُفهم بادي الرأي من العنوان - فالعلمانية الفرنسية أعتى العلمانيات لا تحارب الدين مطلقا وقرأت في مجلة السياسة الدولية تقرير عن رسالة ماجستير حديثة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في هذه الموضوع وتُبين خطأ الزعم بأن العلمانية الفرنسية تحارب الدين مطلقا. والملحدون كذلك هم متدينون إما لأنهم يعتقدون بعدم وجود الله وإما لأنهم يعتقدون بأن تدين المجتمعات يستحيل على التغيير فهم أتوا متأخرا كما يقول "حسن حنفي" في مقدمته على ترجمته لرسالة في اللاهوت والسياسة لاسبينوزا - وغالبا ما يكون من كلام اسبينوزا في الرسالة لا من كلام حنفي -، وحتى كتاب " الدين" لمحمد دراز نجده ينص في احدى صفحاته على دينية من يتوجه كتابه إلى إثبات عدم دينيتهم - الفلاسفة والعلمانيين - في ضوء استقراء العناصر اللازمة للدين كما يعكسها تراث تاريخ الأديان -، وكذلك كلام " ألفن جولدنر" في كتابه " الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي" ترجمة " علي ليلة" في صفحة كاملة تحت عنوان " إقصاء الدين" نجد الصفحة كلها تثبت دينية رواد هذا العلم في الفترة الكلاسيكية. أي: اللادينية أو العلمانية أو الالحاد ليس اقصاء مطلقا للدين، وإنما هو فهم خاص لأصحابه عن عقلانية الدين وأهميته ودوره ومساحته في الحياة فقط لا غير. حتى الشيطان الرجيم مصدر الالحاد والكفر كان متدينا بدلالة قوله { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} فهو يدين بأن الله ربه وهو الذي أغواه بقدرته ومشيئته. ولم يرسل الله رسله وكتبه من أجل الدين ولكن من أجل الإسلام، وبحن خلفاؤهم بُعثنا لنشر الإسلام لا الدين، وكلامنا في تقرير الدين أحيانا يكون كوسيلة نداوي بها من تمكن بهم الوهم والمرض والانحراف حتى شغبوا على البدهيات - ككون الإنسان حيوان ديني - فقط وسيلة فقط لنلزمهم بها ثم منها إلى دين الإسلام. فكون علماء الاجتماع دينيين أو لا دينيين لا يؤثر في موضوع أسلمة المعرفة، لأن الفرق بين الدين وبين الإسلام كالفرق بين الجاهلية وبين الإسلام. وأنبه إلى أني لا أعتقد ولا أقصد أن علماء الاجتماع الغربيين أشرار شياطين! بل هم طيبون ولكنهم ظروفهم الصعبة التي تمثلت في اكتشافهم خرافية دينهم وأهله دفعتهم إلى التفكير في الحق - وهذا سعي شريف يأمرهم به العقل والإسلام - ولكن لسوء حظهم لم يجدوا من يبين لهم دين الإسلام بيانا جليا واضحا يكفي المعرفة التي تحتاجها عقولهم الكبيرة، فلما فكروا على وضعهم هذا نتج ما نتج من تراث مليء بالأوهام مع الصواب وبالحق مع الباطل 
-----------------------------------------------------
الرابع:
وهذا هو نص كلام اللجنة الدائمـة للتأصيل الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميـة " ((تأسيس تلك العلوم على مايلائمها في الشريعة الإسلامية من (1)أدلة نصية أو قواعد كلية أو إجتهادات مبنية عليها وبذلك تستمد العلوم الإجتماعية (2)أسسها ومنطلقاتها من الشريعة الإسلامية ولاتتعارض في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها مع الأحكام الشرعية ولايعني ذلك بطبيعة الحال أن (3)تدخل العلوم الإجتماعية في إطار العلوم الشرعية وإنما المهم ألاتتعارض معها ولاتتعارض عملية التأصيل بهذا المفهوم العام مع أي تقدم علمي وتطور منهجي لايناقض المنهج الإسلامي على أساس أن (4) الإسلام دعا إلى العلم وحث عليـه)) منقول من الدكتور طارق الصادق عبد السلام من هذا الرابط 
https://sites.google.com/site/socioalger1/drasat-aslamyte
 فلننظر إلى فقرات الكلام المرقمة – الترقيم من عندي – (1) يقولون ما يلائمها في الشريعة الإسلامية من (أ) أدلة نصية أي قرآن وسنة واجماع، ( ب) قواعد كلية أي: أصول فقه وأصول اعتقاد، ( ج) اجتهادات مبنية عليه أي: القياس إلى آخر ما قيل في مصادر الاجتهاد المختلف فيها. أليس تلك الفقرة تجمع في طياتها دين الإسلام وعلمه أصوله وفروعه؟! فإذا كان ما يلائم العلوم الاجتماعية – بنص كلام اللجنة – موجود في علم الإسلام فما الفرق بين العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية؟ يلزم اللجنة أن تقول: لا فرق فهما واحد، فلماذا لم تقل بذلك؟ ثم تنقض كلامها بباقي كلامها. (2) يقولون إن بتنفيذ عملية الملائمة تلك تكون العلوم الاجتماعية قد استمدت أسسها ومنطلقاتها من الشريعة الإسلامية. فأين مكان الأدلة النصية والاجتهادات المبنية عليها وهما ( أ ) و( ج ) اللذان نصت عليهما اللجنة في الفقرة الأولى؟!!!. (3) يقولون إن عملية التأصيل بهذا المفهوم العام، فأي عمومية تلك التي نقضوها بأول فقرة من الكلام؟! ويؤكدون تلك العمومية بقولهم إن الأساس في تلك العملية هو " أن الإسلام دعا إلى العلم وحث عليه"!! وهذا الأساس وتلك العمومية هما اللذان يصحان في الكلام على العلاقة بين علم الإسلام والعلوم الطبيعية! مما يدل على أن كلام اللجنة سابق الذكر خرج متناقضا في نفسه فيُفهم منه أن اللجنة تظن أن العلاقة ين علم الاسلام والعلوم الاجتماعية هي كالعلاقة بينه وبين العلوم الطبيعية، ويا ليتها صرحت بذلك جملة واحدة، ولكنها صرحت به في مفهوم الكلام الظاهر جدا ونقضته في نفس الكلام بالفقرة الأولى..

الخامس:

قال أحد أساتذتي إن الأولى أن نقول " تأسيس المعرفة بدلا من أسلمة المعرفة لأن معارف الغرب الذي لا يؤمن بالإسلام قد يكون منطقها ذاته مستعصيا على الأسلمة لبطلان ذلك المنطق أصلا"

تعليقي: بغض النظر عن الدقة في نحت المصطلح فلا يهمني كثيرا تلك الدقة الآن ولكن المهم هو ما يحويه المصطلح من مضمون وموضوع " وحينها نقول لا مشاحة في الاصطلاح".
لا توجد أي معرفة تستعصي على الأسلمة، لماذا؟ لأن كل معرفة غير الإسلام تنازعه الموضوع الذي نزل من أجله فهي بدعة (: ولو كانت لا تنازعه فليست بدعة - كموضوع علم الطب هذا، هم اكتشفوه ولا ينازع علم الإسلام -. فأي معرفة تنازع موضوعه وهي العلوم التي تبحث في الإنسان وعلاقه ب " الخالق/الدين/الغيب/الخرافة ..الى آخر تسمياتهم " وعلاقته بالمخلوق وعلاقته بنفسه يجب أن تكون بدعة إن لم تكن إسلامية لأنها تنازع الإسلام موضوعه الذي ذكره محمد دراز ونقلته في مقالي، وبناء عليه يجب أن يكون في دين الإسلام ما به تتأسلم لأن ديننا الدين الخاتم، والله اختزل فيه كل ما سيحتاجه الناس إلى يوم القيامة بوجهيه " السنة والبدعة" فالسنة هي الدين، والبدعة هي أي معرفة أو عمل ينازعه الموضوع فيجب أن نجد لها في الدين ما يبينها بطريق أو بآخر لأنه الدين الخاتم. فالله اختزل في نص الدين المنزل الحقائق الدينية و اختزل في الفترة التاريخية الذي نزل فيها مع الفترة التي بعده التي زكاها النبي وزكى الله إجماع أهلها القطعي، أنزل حقائق الدين وخلق لها ما يلائمها من حقائق القدر في تلك الفترة، ولذلك قال الامام أحمد إن كل الأعمال التي يحتاجها البشر إلى يوم القيامة حدثت أجناسها في تلك الفترة التاريخية. ومن ثم تتأسلم أي معرفة تنازع الإسلام موضوعه. لكن وجه التعقيد هو في اختلاط تلك المعرفة التي تنازع موضوع الإسلام بما لا ينازع موضوع الإسلام لا كاختلاط كف اليد بكف آخر - مثلا -، ولكنه كاختلاط المركبات الكيميائية تذوب في بعضها ذوبانا شديدا وتتداخل في بعضها بل ويتكون من مجموعها شيئا آخر خلاف عناصر المركب الأصلي!!! فلا ندري كيف نفصل بين ما لله - موضوع الإسلام - وما للبشر - موضوع القدر والخلق -، بل حتى أدوات البحث الاجتماعي كاستمارات جمع البيانات ونحوها كنت أعتقد أنها للبشر قطعا! فوجدت كلاما نقله أحمد الخضر في كتاب " اعترافات علماء الاجتماع " عن أحمد علماء الاجتماع العرب يفيد بأنها لا تخلو من تشرب الأيديولوجية!!! وفكرت في ذلك فوجدته صحيحا تماما!!!! فالصعوبة هو في أسلمتها وهي ممتزجة هذا الامتزاج كيف سيكون شكلها حين تتأسلم في تقارير مكتوبة؟
 أما أسلمتها في العقل من غير كتابة أو تلفظ؛ فهذا سهل لأن العقل يفكر في الممتزجات ويفصل بينها ويحللها أثناء عمليات التفكير ومراحله بكل سهولة. لكن حين نكتب الأسلمة كيف نكتبها؟ نكتب - مثلا - حاشية سفلية وحاشية علوية ويكون فوق علوم الاجتماع المبتدعة وتحت يكون الإسلام ((: ويصبح للأستاذ السيد يسين الحق في السخرية من فكرة الأسلمة ووصفها بالسذاجة لأنها تريد أن تختصر علوم الاجتماع وتأسلمها

تعليقات

المشاركات الشائعة