لماذا تخلفنا؟

طرح الأستاذ جمال سلطان السؤال المشهور مجددا وهو " لماذا تخلفنا" طرحه بعد فشل الإسلاميين حين أتيحت لهم فرصة ملك مصر أم الدنيا، فكتبت هذه الإجابة السريعة المرتجلة رغم شكي البالغ في صحة المنطق الذي وراء هذا السؤال أصلاً إذ لا أظن أن نخبة تسير في طريق النهوض الصحيح - كسلفنا الصالح ومفكرو النهضة الأوروبية الحديثة - تسأل مثل هذه الأسئلة الكبرى لأنها ستكون في شغل من التفصيلات التي تدرسها وتبحثها وشغلها بهذه التفصيلات - الذي يأخذ حيزا واسعا وهو عمر النخبة كله -  هو خير إجابة على سؤال " لماذا تخلفنا". أما من يظن أن إجابة هذا السؤال تتم بكتابة كتاب أو أكثر كما يُجاب على الأسئلة الأخرى فإني أظن أن المنطق من وراء ظنه غير صحيح. 
هذه الإجابة 
يقول الشيخ محمد دراز :
بين الأمة وزعيمها.
"وإذا صح أن يقال إن الأمم تخلق زعماءها، فمن الحق أيضا –
وبالطريق الأحرى – أن الزعماء تخلق أممها. والأمة تلد زعيمها ولادة طبيعية، وتهيئ له وسائل تلك الزعامة؛ والزعيم يلدها بعد ذلك ولادة أخرى: روحية، أو سياسية، أو عسكرية ، أو فنية، أو غير ذلك. الأمة تمثل خصوبة التربة، وسلامة الأداة؛ والزعيم يضع البذر ويسقيه، ويتعهده وينميه. والزعيم يحرك الأداة ويوجهها، ويرسم طريقها، ويقف بها عند أهدافها. بل كثيرا ما يُضيء لها هو تلك الأهداف ويحددها؛ وذلك حيث تكون حاجات الأمة غامضة مشتبكة الطرق، غير واضحة المعالم في العقل الجمعي، فتبقى متلهفة إلى رجل الساعة الموهوب، الذي يتركز فيه وعيها، وتتحدد في نفسه حاجاتها، ويكون له من الحدس أو الإلهام أو الوحي ما ينشر به وسائل تحقيقها ويملك من العزم والحزم ما يحكم به قيادتها، ويبلغها إلى أهدافها، فإذا ظفرت به وألقت إليه بالمقاليد فقد أصابت رشدها، وفتحت لنفسها صفحة جديدة من القوة والمجد، أما إذا تشعبت عليها الطرق، واختلف الزعماء، ولم يستبن لها وجه الاختيار، أو أنها أساءت الاختيار فأهملت داعيها الرشيد او أنكرته وقضت عليه بالإخفاق أو الموت –لا لأن دعوته تتانفر وطبيعتها، بل لأنها جهلت حقيقة نفسها، وطاشت أحلامها – فإنها تكون حينئذ قد سلكت طريق شقائها، وآثرت الانتحار على الحياة من حيث لا تشعر" كتاب الدين ص163

.
والقاعدة عند أهل السنة أن من يريد إصلاح الدنيا بالدين عليه أن يتبع العلماء المجدين المعاصرين إن كانوا أحياء أو كتبهم إن كانوا أمواتا كما ذكرها الشاطبي في الاعتصام، ولكننا لا نعرف كيف نفرق بين العلماء المجددين كرشيد رضا ودراز وبين العلماء الآخرين الفضلاء من غير المجددين، فنحن نتبع المخلصين المجاهدين الذي يجمعون كل الصفات الشريفة إلا صفة المجدد فكريا! لهذا تخلفنا وسنظل متخلفين حتى ينتشر فينا فكر المجددين فكريا وينحسر فكر الصبية والحفاظ والمخلصين من غير المفكرين المجددين، هذا هو العامل الأساسي في التقدم ولا يبطل مفعوله إلا بإرادة سياسية أو اجتماعية قوية تضاده فيظل مفعوله معلقًا - جزيئا لا كليا - حتى تنتفي الموانع، وهو العامل الأساسي الذي إن لم يوجد فسيظل النهضويون يقنعون أنفسهم بالباطل أنهم أهل نهضة تمنعهم الموانع من النهوض بالأمة كما يدعي الإسلاميون وأمثالهم منذ قبل ثورة 25 يناير، ولما قامت الثورة وزالت كل الموانع انكشفوا كثيرا - ولا أظنهم سيفهمون حقيقة أنفسهم! - مما يعني أن غياب هذا العامل يجعل النهضويون يعيشون حالة جهل مركب لا بسيط، وسيشكلون عبئا ثقيلا على مجتمعاتهم وعامل معوق لمن أراد النهوض الصحيح - كل ذلك وهم لا يشعرون - فيفسدون أكثر مما يصلحون

تعليقات

المشاركات الشائعة