كيف نعرف المنحرفين؟

كيف نعرف المنحرفين؟
يقول الإمام المحاسبي:"تعرفَ الناسَ بالاعتبار على منازلهم في لحن القول، ولحن الفعل، وتعرفهم، وتعرف منازلهم، ومذاهبهم، بنور الاعتبار، ومواهب الإلهام إن شاء الله تعالى" (كتاب آداب النفوس ص 125)
وهذا ما في كتاب الله {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}
في زماننا إذا كتبت أنا أو كتب غيري عن انحراف قادة ومفكري الاسلاميين وغيرهم من مفكري المدنيين، لا يقتنع كثير من أتباعهم بالتحاليل المكتوبة، وبعضهم (لاسيما الاسلاميين) يطلبون اعترافات واقرارات صريحة من قادتهم المنحرفين بأنهم منحرفون! أو يطلبون وقائع قاطعة الدلالة في بديهة العقل، تدل على انحراف قادتهم ، والحقيقة أن مطالب هؤلاء المغرر بهم غير واقعية، لأن المنحرفين غالب انحرافهم (لا شعوري) على عكس المنحرفين (استكبار أو عنادا) كانحراف عم النبي (صلى الله عليه وسلم) أو انحراف فرعون وأمثالهما، فالانحراف اللاشعوري، لا يشعر به صاحبه ولو شعر به لتركه! ولكنه لجهله وتعالمه ينحرف ويتمادى ولا يشعر ولا يفهم، وبالتالي لا سبيل إلى المعرفة بانحرافه إلا من جهة لحن قوله ولحن فعله كما يقول المحاسبي، ولحن القول هو كما يقول الإمام ابن عطية في تفسيره:" {فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} معناه، في مذهب القول منحاه ومقصده، وهذا كما يقول لك إنسان قولاً معتقدًا له، وتفهم أنت من مقاطع كلامه وهيئته وقرائن أمره أنه على خلاف ما يقول"
فهذا نص صريح من ابن عطية على أن الفهم السليم للمنحرف يكون من قرائن قوله (الذي هو معتقد بصدق له) ولا يشعر المنحرف بأن قوله وكذلك فعله يدل في حقيقته على خلاف ما يقصده هو ويريده هو ويعتقده هو، وتلك هي الفائدة الوحيدة للعلم الإنساني الذي مهمته معرفة المرض بغير العين المجردة أو الإحساس المباشر، فالمرض البدني يشعر به صاحبه وقتما يحس به فورا ويعرفه الآخرون منه حين ينظرون إلى حركات جسمه الدالة على مرضه أو يسمعون صوته الدال على مرضه، أما المرض الفنسي والاجتماعي فلا يُعرف بالعين المجردة، ولكن يُعرف ب "العلم" حيث أن "المرض والصحة" معنيان كامنان في نقطة ما من السلسلة المكونة لفكرة ما، وبالعلم وحده يتم تحديد تلك النقطة ووصفها وتبرير كونها هي المُرتَكَز الذي يُعلَّق عليه السلسلة الناتج عنها فكرة ما، فتتلون تلك الفكرة بلون هذا المرتكز الذي هو بالنسبة إلى بقية أجزاء السلسلة المكونة للفكرة؛ كالعصب أو الورح أو العقل بالنسبة للأجزاء المكونة للبدن العضوي، وبقدر صحة ذلك العصب أو مرضه يفشو وينتشر في كل أجزاء البدن وحالته العامة ما في العصب من صحة أو مرض.
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة