بين العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية الحديثة (2)

كلما ازددت علما وخبرة ازداد يقيني في صحة العلاقة بين علم الإسلام والعلوم الاجتماعية والسياسية الحديثة – كما أفهمها – بتواتر الأدلة من نصوص الوحيين ومن كلام الأئمة المجددين، فالعلاقة بينهما ليست كالعلاقة بين علم الإسلام وبين علوم الطبيعية كعلم الطب والهندسة والفلك ونحوها! كما يظن بعض الحفاظ المنسوبين إلى العلم، والخلل في فهم هذه العلاقة يُعتبر أعظم البدع في هذا العصر الحديث التي خسفت بكل الأديان لا أقول دين الإسلام فقط بل خسفت بكل الأديان وأضاعت دين المسلمين وضاعت معه دنياهم، وهذا كلام للعلامة محمد رشيد رضا – رحمه الله - في خصوص هذا الموضوع – وما أكثر كلماته وكلمات أمثاله فيه –
يقول الشيخ في تفسير المنار المجلد السابع الصفحة رقم 499 :" وَلَوْ أَنَّ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ كَتَبُوا فِي التَّفْسِيرِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ لَبَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ – يشير الشيخ إلى المباحث التي يطرقها علماء الاجتماع والسياسة المعاصرون - .
وَلَمْ يُقَصِّرِ الْمُصَنِّفُونَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا قَصَّرُوا فِي بَيَانِ مَا هَدَى إِلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ مِنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ وَالْحَثِّ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِهَا، وَلَوْ عَنُوا بِذَلِكَ بَعْضَ عِنَايَتِهِمْ
بِفُرُوعِ الْأَحْكَامِ وَقَوَاعِدِ الْكَلَامِ لَأَفَادُوا الْأُمَّةَ مَا يُحْفَظُ بِهِ دِينُهَا وَدُنْيَاهَا، وَهُوَ مَا لَا يُغْنِي عَنْهُ التَّوَسُّعُ فِي دَقَائِقِ مَسَائِلِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ، وَالسِّلْمِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ، لَا يَعْلُوهُ إِلَّا الْعِلْمُ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، بَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ طُرُقِهِ وَوَسَائِلِهِ. وَقَدْ فَطِنَ لِهَذَا بَعْضُ حُكَمَاءِ الْعُلَمَاءِ، فَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي بَيَانِ الْقَدْرِ الْمَحْمُودِ مِنَ الْعُلُومِ الْمَحْمُودَةِ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ فِي الْإِحْيَاءِ: وَأَمَّا الْقِسْمُ الْمَحْمُودُ إِلَى أَقْصَى غَايَاتِ الِاسْتِقْصَاءِ فَهُوَ الْعِلْمُ بِاللهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي تَرْتِيبِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا، فَإِنَّ هَذَا عِلْمٌ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ. ثُمَّ فَضَّلَ أَهْلَ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ كَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَأَيَّدَهُ فِي ذَلِكَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إِذِ اسْتُفْتِيَ فِيهِ فَأَفْتَى بِصِحَّتِهِ. وَبَيَّنَ الْغَزَالِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ فُصُولِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ هُوَ الَّذِي امْتَازَ بِهِ عُظَمَاءُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَأَنَّهُ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي عَنَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: مَاتَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ (وَرَوَاهُ أَبُو خَيْثَمَةَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ بِلَفْظِ: إِنِّي  لَأَحْسَبُ عُمْرَ قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ) .
لَأَحْسَبُ عُمْرَ قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ) .     
أَقُولُ: أَمَّا الْعِلْمُ بِاللهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَهُوَ مِعْرَاجُ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِسُنَّتِهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ فَهُوَ وَسِيلَةٌ وَمَقْصِدٌ، أَعْنِي أَنَّهُ أَعْظَمُ الْوَسَائِلِ لِكَمَالِ الْعِلْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ، وَأَقْوَى الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ الْعُلُومِ الَّتِي يَرْتَقِي بِهَا الْبَشَرُ فِي الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ فَيَكُونُونَ بِهَا أَعِزَّاءَ أَقْوِيَاءَ سُعَدَاءَ، وَإِنَّمَا يُرْجَى بُلُوغُ كَمَالِ الِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ إِذَا نُظِرَ فِيهِ إِلَى الْوَجْهِ الرَّبَّانِيِّ وَالْوَجْهِ الْإِنْسَانِيِّ جَمِيعًا، وَهُوَ مَا كَانَ عُمَرُ يَنْظُرُ فِيهِ بِنُورِ اللهِ فِي فِطْرَتِهِ وَهِدَايَةِ كِتَابِهِ، وَأَمَّا أَبُو حَامِدٍ فَقَدْ لَاحَظَ الْوَجْهَ الرَّبَّانِيَّ فَقَطْ، وَإِنَّ فِي سِيَاسَةِ عُمَرَ وَفِي كَلَامِهِ لِدَلَائِلَ كَثِيرَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ بَصِيرَتِهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ، فَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ وَسِيلَةً لَنَا لِتَكْمِيلِ أَنْفُسِنَا، وَإِصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِنَا، آمِينَ. " انتهى النقل وهذا المقال فيه مساهمة مني في الموضوع
http://elmorsykhalid.blogspot.com/2013/05/blog-post_28.html

تعليقات

المشاركات الشائعة