تعليق على إحدى المقالات عن الثورة المصرية

تعليق على مقال الدكتور عبد العزيز قاسم المعنون ب(هل سيختطف دهاقنة السياسة والأجندات الخاصة ثورة 25 يناير؟)



التعليق يتضمن مفاهيم مهمة جدًا لا يستغني أحد مهتم بالتغيير والاصلاح عن اتقانها وفهمها


تعليقي على قول الدكتور الآتي (كان منظراً مهيباً في وسط ميدان التحرير، والشيخ يوسف القرضاوي يلقي خطبته وسط الملايين التي احتشدت في (جمعة النصر). تساءلت عن مغزى هذا التوقيت، وأنا أطالع تلك الصورة المفعمة بالبطولة لأولئك الشباب الذين تابعناهم على مدى أسابيع، وهم مصممون على أهدافهم التي بذلوا أراوحهم من أجلها، فهل أراد الشيخ أن يمارس حقه –كإسلامي- في إضفاء (الإسلامية) على الثورة في لحظة قطاف الثمر،)


هذا القدْر الذي مارسه الشيخ القرضاوي وغيره من الاسلاميين سلفيون واخوان في ميدان التحرير قبل وبعد خلع مبارك: أقول هذا القدر متفق على تعظيمه وترسيخه في نفوس كل الثوار والمتفرجين في الشعوب العربية جمعاء: أعني أن جيوش "الأنظمة المخلوعة" المتمثل في الشرطة والفنانين والممثلين ولاعبي الكرة، التي تهدف لاخماد النزعة الدينية الاسلامية في نفوس الشعوب، لم تنجح في أخماد الشوق واللهف الشعبي للقدر السابق ذكره في ممارسات الاتجاهات الاسلامية في الثورة، إنما هم أفلحوا في إخماد مستويات اسلامية أعمق من ذلك في نفوس الشعوب؛ كالتي تتحدث عن منهج التغيير ذي النفس الطويل والعمل على توظيف السنن الكونية والمبادئ والمفاهيم الكبرى المقتبسة من الوحي المُطهر في مفردات الحياة والأحياء والانطلاق منها في الممارسات الحياتية بحيث يظل شعور المسلم مرتبطًا بها دائما ، هذا القدر هو الذي نجحوا في إخماده بفعل سد المنابع التي تُستقى وتُتَلِقى منه – وبعد الثورة ستكون الفرصة لفتح هذه المنابع أجود منها قبل الثورة –


نخلص من هذا الكلام بأن الثورة والشعوب التي ثارت لا تسمح ولا تتصور أصلاُ بوجود من يتكلم عن تناقض بين ما يؤمنون به من هذا القدر المشترك وبين ممارساتهم الحياتية ثورية كانت أو سلمية ( هذا والشعوب تعلم جيدًا أن الاسلاميين كانوا مضيقًا عليهم وما كان بيدهم حيلة، شأنهم شأن الشعوب ، وأن ظهورهم في المشهد لم يكن لقطف الثمار وإنما كان لانفتاح الباب الذي كان موصدًا بأعتى القوى البوليسية في العالم المعاصر ). انتهى التعليق الأول


يقول الدكتور عبد العزيز (هنالك السلفيون المصريون، وقد باتوا يشكلون ثقلاً كبيراً لا يستهان به، فقاموا من جهتهم، بالضرب على موضوع (إسلامية مصر)، وتجد طوابير حشودهم في المنصورة والإسكندرية وشوارع كبيرة جانبية في القاهرة بعيداً عن ميدان التحرير مثل الهرم والمرج‏، وفي حلوان والمحلة والمنصورة، وعلى ذمة صحيفة (الأهرام) قاموا بتوزيع منشور يتضمن في أعلى الصفحة علم مصر مكتوب أسفله "مصر إسلامية" وعلى اليمين "هل ترضى أن تكون مصر دولة غير إسلامية؟‏".






وبرأيي الخاص أن الانضواء تحت لافتة الدولة المدنية لدولة كبيرة متعددة التيارات الفكرية، وذات إرث علماني عريض يمتد إلى قرون، وبوجود أقباط لهم نسبتهم التي لا يستهان بها، وتدعمهم الدول الغربية؛ هو الأنسب والأحكم لإخوتنا في التيارات الإسلامية على تعدد أطيافها ولمسلمي مصر عموماً في هذه اللحظة الزمانية. الدولة المدنية المستمدة كثيرا من بنودها من الشريعة؛ ستحقق كثيراً من مطالب الإسلاميين دون أن تستعدي التيارات اليسارية والحزبية والفكرية والأقباط والدول الغربية المتربصة بهذه الثورة، فيما كان النظام المصري المخلوع يلوح بورقة هؤلاء الإسلاميين لتخويف الغرب، فمن الحكمة حرق هذه الورقة وتفويت الفرصة على المتربصين بهذه الثورة وإنجازاتها، )


أقول أولاً وأسأل ما هو هذا الارث العلماني الممتد لقرون؟ أين هو؟ الخلافة الاسلامية لم تسقط الا من 100 سنة والتيارات العلمانية حادثة بعد سقوط الخلافة وانتهت هذه التيارات برجوع أغلب قادتها الى تيار الاحياء الاسلامي بعد أن بان لهم انخداعهم بهذا التيار وأن لا أثر له ولا جاذبية للشعوب سواء في الجانب الفكري ، أو في جانب إحياء روح العمل النهضوي ( وهذه الجملة الأخيرة قالها بمعناها الامام محمد عبده في كتاب الهلال رقم 96 بعنوان دروس من القرآن ) وقد تكلم الدكتور محمد عمارة عن تراجع رموز هذا التيار التغريبي في كتابه أزمة الفكر المعاصر والدكتور مصطفى حلمي وغيرهم . فلو عندك يا دكتور معلومات أخرى عن هذا الإرث فلتتحفني بها .


وأيضا مصر ليس فيها تيارات متعددة كما تقول ، وأعني بذلك أن الثورة ثورة شعوب تريد أن تحكم نفسها بنفسها وهذه الشعوب لاتعرف ولا تؤمن الا بالتيار الاسلامي أما باقي التيارات فدخيلة ومحتلة . وبخصوص قولك بأننا نعاديها فأقول ( أنه من حقنا شرعًا وبالتطبيق للسياسات الثقافية المنصوص عليها من "اليونسكو" النآصّة بضرورة حماية ثقافة الأقليات من محاولات الهيمنة عليها بفعل ثقافة أخرى ، أو ما يُسمى بالغزو الثقافي أو الإمبريالية الثقافية، فكيف بثقافة أغلبية الشعوب في العالم العربي المستمد أصولها من الوحي المطهر والتراث الاسلامي، والرغبة الفعلية وتمسك الشعوب في الانتماء لهذه الثقافة ؟! ونحن نسمع ونرى أحوال قادة العالم الغربي في حماية ثقافتهم ضد أي محاولات هيمنة ثقافة أخرى غربية أو اسلامية! أحلال لهم وحرام علينا أم ماذا؟ وأضف الى هذا أنه ظهرت في العالم المتقدم في الآونة الأخيرة اتجاهات سائدة جدا تؤكد ضرورة البحث عن الدين – ويعنون بالدين الفكرَ والثقافة التي تجيب على الأسئلة الكبرى والتي تفسر وتبرر العمل النهضوي الدؤوب الذي يقومون به ، تلك الأسئلة التي تُحتمها الغريزة الطبيعية، ولا تهدأ وتقر النفس أثناء ممارستها للحياة إلا بمعرفة الأجوبة بشكل يتفق والعقل، إذ أن هذه الأجوبة والتفسيرات يُلح الشعور الانساني على "استصحابها"و"تصورها" أثناء الممارسات الحياتية( قاله أو بنحوه الدكتور دراز في كتاب الدين) ، وإهمال تلك المطالب العقلية والشعورية يُربك الإنسان ويجعله غير متوازن ، وهذا الإرباك هو الذي حدا بالعالم المتقدم الى هذا التوجه - أو عن نوعية الحياة Quality of life بديلا عن مفهوم الازدهار المادي ؛ للخروج عن المصائب الكبرى التي تهدد الكرة الأرضية بسبب سياسات الغرب تجاه الانسان والبيئة، وانعدام الأمن النفسي والاجتماعي للشعوبها ، وتستشهد بعض الكتابات التي تتعرض لهذا الموضوع بالعبارة التي تُنسب الى الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" عن أن المجتمع العظيم هو الذي يهتم، ليس بالكم ولكن بالكيف، وليس بمقدار أو حجم السلع التي ينتجها وإنما بنوعية حياة الناس وجودة تلك الحياة – وهذه نظرة اسلامية صرفة -. وأضف الى هذا ظهور مفاهيم جديدة عند علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا تعطي أهمية بالغة للعلاقات الاجتماعية والتجانس في الاستمرار في النظم والروابط، وأن مفاهيم التجانس والترابط تلك تحتل الآن مكانًا مهمًا في بحوث نوعية الحياة وفي وضع السياسات المتعلقة بالموضوع على جميع المستويات، ويقتضي تحقيق هذا التوافق والتجانس على تقليص وردم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين أعضاء المجتمع الواحد – وهذه أيضا نظرة اسلامية وهي من الحكم المترتبة على اتباع سنن النبي على المستوى الشخصي والمجتمعي كما يقول " محمد أسد". ويقول الدكتور"أحمد أبو زيد" أن حدوث تغييرات جذرية في أنماط الثقافات الأصلية والمتوارثة ؛ ينشأ عنها مشكلات وانحرافات سلوكية تؤثر سلبًا على مستوى نوعية الحياة في معظم المجتمعات وتتطلب التصدي لها من كل الهيئات وعلى مختلف المستويات ) وقد صدق الدكتور . والتيارات التغريبية في العالم العربي واقعة وغارقة في كل هذه المحاذير الدولية والعلمية والقانونية بعد أن وقعوا في محاذير الدين لاسلامي، ولو كان حكام العرب لا يوالون الغرب، وكانوا يهتمون بمصالح الشعوب لكانوا ضربوا بيد من حديد على التيارات التغريبية التي تريد هدم ثقافات الشعوب والوقوع في كل المحاذير السابقة بما فيها المحاذير الدستورية والقانونية لبلاد العرب، أو على الأقل قبل أن يضربوهم ضربة أمنية كانوا يعقدون لهم مناظرات بينهم وبين أئمة الشريعة والفكر تحت رعاية الحكام العرب . ( يُرجع للتفصيل في الكلام السابق لمقالات بعنوان ( العودة الى الدين " و" الانسانية البازغة " و" نوعية الحياة الاجتماعية وتحديات المستقبل" للدكتور أحمد أبو زيد في أعداد مجلة العربي الكويتية برقم 617و 624 و 625 وكتاب "هوية الثقافة العربية" للدكتور نفسه .


وهذا إن كان هو الحال في العالم المتقدم ، فهو الأولى التمسك به والحرص على الاستمرار فيه واصلاح فاسده في العالم العربي والأمة المسلمة لأن حكمة الله سبحانه وتعالى قضت بإمكان ترقي الأمم غير المسلمة اقتصاديا وسياسيا وعلى أغلب المستويات باستثناء المستوى النفسي – في بعض مجالاته - ؛ في حال استدبارها ورفضها لاجابة دعوة الاسلام . بينما قضت حكمته باستحالة حدوث مثل هذه الاصلاحات في الأمة المسلمة حال استدبارها لدينها بهذا الشكل السافر الذي عليه سياساتنا الآن، وهذا لأسباب علمنا الله شيئا منها لا يسعني التفصيل فيها في هذا التعليق .


وبخصوص قولك(وبوجود أقباط لهم نسبتهم التي لا يستهان بها، وتدعمهم الدول الغربية) الأقباط في مصر نسبتهم في الحد الأقصى 5% من عدد سكان مصر فقط كما تثبت ذلك الاحصائيات الأمريكية ذاتها، فهم أقلية بالاجماع ولا يجوز في كل دساتير العالم المعاصر أن تُحكم البلاد أو تُحدد سياساتها العامة وفقًا لما تراه أقليتها! هذا فقط كان جارٍ في مصر قبل خلع مبارك فكانت الحكومة تعامل المسلمين معاملة الأقلية ! كما يقول الدكتور محمد عباس، والتاريخ القديم يثبت أن المسيحين كانوا يستنجدون بالمسلمين لحمايتهم من أهل ملتهم! وأنهم كانوا مترفهين وهم تحت ظلال الحكم الاسلامي بعكس حياتهم تحت ظلال حكم أخر يهوديًا كان أو مسيحيًا على مذهب مختلف – راجع شريط صوتي لشيخنا "محمد اسماعيل المقدم" بعنوان" تسامح المسلمين مع الكتابيين "، وبهذا رد و ندد "إبراهيم هوبر"، الناطق باسم مجلس العلاقات الأمريكية بما جاء في وثيقة بابا الفاتيكان البابا بنديكت السادس عشر ، معتبراً أنها "لن تساهم في بناء علاقات أفضل بين المسيحيين والمجتمعات الإسلامية التي يقطنون فيها." وللدكتور محمد عمارة وغيره كتبًا ومقالات ترصد بالاحصائيات والأرقام وضع النصارى الجيد في مصر على المستويات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها بما لا يُقارن مع أي أقلية في العالم المعاصر كله بما فيه المتقدم ، هذا مع أن عقلاء وكبراء النصارى المعاصرين الأحياء منهم والأموات يعترفون بأنهم مسلمون حضاريًا وثقافيًا، نخلص من هذا كله أن لهجة الكلام عن النصارى في مصر بهذا الشكل، إنما هي لهجة أقباط المهجر والحكومات الغربية التي تلعب على ورقة الأقليات في الدول التي تريد استعمارها بالقوة الناعمة بدلا عن القوى العسكرية. انتهى التعليق
وبخصوص قولك ( . الدولة المدنية المستمدة كثيرا من بنودها من الشريعة؛ ستحقق كثيراً من مطالب الإسلاميين دون أن تستعدي التيارات اليسارية والحزبية والفكرية والأقباط والدول الغربية المتربصة بهذه الثورة) أقول نعم عندك حق لكن الاسلاميين المنضبطين لن يستعْدو أحدا ولكنهم سيدعون الى الله ويبينون الحق بالأسلوب الجميل _ والشعب بعد ذلك يحكم – وبياننا للحق بالأسلوب الجميل وبالاقناع ليس تعديًا في شيء، بل هو من أصول الديمقراطية التي ترى بأن الحكم يكون للأغلبية لكنها تعطي الحق للأقلية بعد ذلك أن تعترض وتبين أسباب اعتراضها وتحاول أن تستميل وتقنع الرأي العام ( كما تقول الدكتورة " هالة مصطفى" في كتابها عن " الأحزاب " الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، وهو العدد الثاني ضمن موسوعة الشباب السياسية التي أصدرها المركز ) فكيف إذا وهم الأقلية ونحن الأغلبية ؟!


خالد المرسي










تعليقات

‏قال سعيد عبيد
. الدولة المدنية المستمدة كثيرا من بنودها من الشريعة؛ ستحقق كثيراً من مطالب الإسلاميين دون أن تستعدي التيارات اليسارية والحزبية والفكرية والأقباط والدول الغربية المتربصة بهذه الثورة)

جزاك الله خيرا يا استاذ خالد على هذا الفكر المستنير فعلا لابد من تفويت الفرصه على المتربصين بنا كاسلاميين وكفانا صلح الحديبيه من الفطنه فهم ذلك وسيأتى الاسلام قريبا حاكما ان استوعبنا الدرس ولا ننظر الى الآنيه بل لابد من النظر البعيد ولا أقول بعيد جدا بل قريب جدا ان شاء الله
‏قال خالد المرسي
جزاك الله خيرا أستاذ سعيد

المشاركات الشائعة