مداخلة مع مقال سؤال النهضة بين السلفية ودعاة المدنية

سؤال النهضة بين السلفية ودعاة المدنية

لا يزال دعاة المدنية منذ أن دخلت الأمة القرن التاسع عشر وهم يثيرون سؤال النهضة بطريقة خاطئة وليس أدل على ذلك من كونهم أصبحوا اليوم وبعد قرنين من الزمان يتساءلون : لماذا أخفقت النهضة العربية ؟ ويقولون : نحتاج إلى صياغة جديدة لسؤال النهضة .. وليس هذا شطبا لجهودهم ولكن قيام الدعوات الإصلاحية ( الصحوة ) في أكثر البلاد الإسلامية وحصول الاستجابات الواسعة وقدرة هذه التيارات على التغيير الاجتماعي خاصة فيما يتعلق بجانب الحفاظ على الهوية واللغة والتراث يجعلنا نتساءل بحق : كيف يدير التيار السلفي معركة النهضة ؟!
إن المتأمل يجد أن المنهج السلفي يدير معركة النهضة بطريقة مختلفة تماما لأنه وضع تساؤل النهضة في مسار مختلف تماما فبدلا من أن يقول : كيف نصنع النهضة ؟ كما هو معروف من كلام دعاة المدنية نجده بدلا عن ذلك يتساءل : كيف تحقق الأمة رسالتها ؟ .. ولذا فالسلفي دوما يقطع شوطا كبيرا في طريق النهضة بما يحققه من إصلاح اجتماعي وأحيانا سياسي بحسب الممكن في حين لا يزال دعاة المدنية يراوحون مكانهم دون تحقيق منجزات تذكر اللهم إلا ما يدّعونه لأنفسهم من إنارة الفكر وبناء الوعي !!
وبين هذين السؤالين فرق كبير .. أول هذه الفروق أن التساؤل السلفي يعيد تعريف النهضة بحيث تتطابق مع ( وظيفة الأمة ) .. فبعد أن كانت النهضة عند المدني هي تحقيق المدنية والديمقراطية والبذخ في توزيع الحريات على الآخرين !! بالمعني التلفيقي المأخوذ من الغرب ؛ أصبحت النهضة في المفهوم السلفي تعني قيام الأمة برسالتها وهي : إخراج العباد من عبادة رب العباد إلى عبادة رب العباد . فمتى ما استطاعت الأمة تحقيق رسالتها فقد حققت النهضة المنشودة .
وهذا الأمر يقودنا إلى الفرق الثاني وهو : الإقرار بحتمية اختلاف الجوابين من عدة أوجه . ففي حين أن المدني يجيب على تساؤله بأن وسائل تحقيق النهضة أولها وأهمها الإصلاح السياسي إذ به تنتظم شئون الدولة الاقتصادية والتربوية والتعليمية ، فإن السلفي يجيب بأن تحقيق الأمة رسالتها يكون أولا من خلال دعوة الناس إلى الإسلام . وهنا يتبين الفرق فدعاة المدنية يقضون أوقاتهم في الحديث عن إصلاح لا يملكونه ولا يستطيعون أن يقدموا فيه شيئا سوى ( إنارة الوعي ) بحسب رأيهم .. في حين أننا نجد السلفي يتحرك باتجاه العامة والخاصة ويبدأ في تغيير معالم المجتمع وهذا وجه من أوجه حتمية الخلاف بين الجوابين . الوجه الثاني : نلاحظ أن المدني إذا قطع شوطا في الإصلاح السياسي فإنه سوف ينظر إلى ( العلم الحديث التقني والعمراني والإنساني ) على أنه أساس النهضة مع إهماله لدور الفقيه ، أما السلفي فإذا قطع شوطا في إصلاح المجتمع نجد أن أساس قيام الأمة برسالتها يعتمد على أمرين : فقهي وغرضه بيان الدين للناس ، ودنيوي وغرضه حماية هذا الدين وكلاهما خاضع للنقد الفقهي.
ثمة فرق ثالث بين السؤالين يظهر في قدرة التساؤل السلفي على إثارة الفاعلية في روح المسلم من خلال ربطه بالرسالة التي يجب عليه القيام بها وهي تبليغ الدعوة بينما يعجز التساؤل المدني عن إثارة هذه الفاعلية من خلال الحث على النهضة وحدها والوعود التي سوف تتحقق من ورائها إذ حركة الأمة المسلمة لا تتحقق إلا من خلال عودتها لرسالتها ودينها وربط جميع حركتها بهذا المفهوم . وهذه الميزة هي نتاج خصوصية الوعي السلفي في فهم القرآن حيث الحرص الدائم على معاني وألفاظ القرآن والمصطلحات الشرعية المرتبطة بالكتاب والسنة دون غيرهما ولو أدت نفس المعنى وهذا يجعله أقرب إلى إصابة الحق .
وأما الفرق الرابع فالتساؤل الذي يطرحه السلفي يعطي للأمة خصوصية في طرح حلولها الخاصة ويمنحها حق الحرية في إبداع الحلول التي تناسب الرسالة التي تحملها في حين أن السؤال المدني ينزع هذه الحرية ويفرض عليها شيئا من التبعية بسبب تجاهلهم لوظيفة الأمة و وإثارتهم للتساؤل حول الوسيلة وليس الغاية .
والفرق الخامس - وهو فرق جوهري حقا – وهو أن تساؤل السلفي يجعل للأمة معيارا خاصا بها في قياس منجزاتها هذا المعيار مرتبط بمدى تحقيق الأمة لوظيفة تبليغ الرسالة بينما في التساؤل المدني فإن هذا المعيار يتحول كليا إلى المنجزات المادية والعمرانية وهذا المعيار لا يتناسب مع الغاية المنشودة.
كانت هذه الفروقات المذكورة بمثابة التلخيص لنظرة التيارين تجاه فكرة النهضة وفكرة التلخيص شائكة بالفعل لأن كلا الطرفين لا يكاد يرضى ولكن حسبي أني أستفيد من أطروحات الإخوة بتصحيح الفهم وتقوية نقاط الضعف.
بدر باسعد
--------------
المداخلة


طريقة السلفيين التى ذكرتها فى ادارة معركة النهضة، لاأظنهم(أي المشاقين للتيار السلفى) يختلفون معهم عليها، لأننا كلنا متدينون ونحب الدين ونحب تعبيد الناس لرب العالمين، لكن نقدهم – فيما أظن – هو فى طريقة تعاملنا(نحن السلفيون) مع معطيات الواقع الجديدكمايقول الدكتور بكار – مع الفرق بين نقد الدكتور العادل وبين نقد أغلبهم الظالم – يتكلم الدكتور عن ضرورة أن نشحذ بصيرتنا من أجل النجاح فى ايجاد التناغم بين الماضى والمستقبل، وتأسيس نقاط الاتصال والارتكاز التى تساعدنا على الاستنارة بتراكم مااستفدناه من خبرات تاريخية واجتماعية فى رؤيتنا للمستقبل، وفى تعاملنا مع الأشياء الجديدة، وفى تجديدنا لأبنيتنا الحضارية على نحو ينسجم مع مقتضيات الاستخلاف كما ينسجم مع متطلبات الحياة المعاصرة فى صعدها المختلفة) تجديد الوعىص147


وهذا هو مافعله علماؤنا المتقدمين

فمثلا تجد سلفية ماقبل الخلاف: وهى سلفية الايمان لدى الصحابة وتابعيهم القريبين منهم، تجدها تختلف عن سلفية مابعد الخلاف: وهى المواقف التى اتخذها سلفيون بعد تبلور مدارس الخلاف العقدي) وكل هؤلاء أئمتنا أئمة الهدى ومصابيح الدجى لم يختلفوا فى ثبات المنهج والاعتقاد ولكن تغير تعاملهم بتغير الواقع( من كتاب سلفية ماقبل الخلاف للدكتور علاء بكر عن كتاب السلفية وقضايا العصر للدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدى، ثم تكلم عن مواضع الفرق بين أئمتنا أولئك فى تغير تعاملهم بتغير الواقع.

اذا فعن هذا_ينتقدنا من ينتقدنا لكن منهم من يظلمنا أثناء نقده بل ويبطل المنهج السلفى بسبب تقصير بعض أبناءه

ولكن النقد الصحيح المتوازن هو فى قول الدكتور بكار(وهو الذى يعترف بانفراد السلفيين بتأسيس مظهر حضارى مهم وهو اتباع الدليل من الكتاب والسنة) يقول فى نقده( بعض الجماعات الاسلامية التى تهتم بالمسائل الروحية استثمرت كل امكاناتعا فى تصفية النفوس وانعاش الجانب العاطفي وأهملت الجانب الفكري، كما أهملت الجانب المعياري، فمعرفة أبنائها بالواقع وعقابيله والمستقبل ومتطلباته ضئيلة جدا، ولايشبهها فى ذلك سوى معرفتهم بالأحكام الشرعية ومسائل الحلال والحرام، وقد خصدت تلك الجماعات ثمار ذلك الخلل فى هيئة عزلة عن الواقع وانحراف عن الجادة فى قضايا كثيرة بالاضافة الى انطفاء الفاعلية الحضارية لدى كثير من أينائها) تجديد الوعى ص232

خالد المرسي





تعليقات

‏قال بدر الإسلام
مداخلة :

هل صحيح أن نقدهم ( هو فى طريقة تعاملنا(نحن السلفيون) مع معطيات الواقع الجديد ) : نعم جزء كبير من نقدهم متوجه إلى هذا .. ولكن لو تأملت الإشكالات التي تكررت عندهم ستجد أن هناك شيء ما يحركهم لهذا النقد ويدفعهم ألا وهو ( الرغبة في النهضة والتقدم ) ثم إنهم جعلوا منها ( قائدا ) فالتزموا مسبباتها حتى ولو خالفوا الشرع وتأمل كتاباتهم وآخرها : مقالة القديمي في العصر حول هامش الحرية . وتأمل خلاصة بحث مآلات الخطاب المدني للشيخ ابراهيم السكران لتعرف الإشكالات الشرعية التي وقعوا فيها .
وأما نقد بكّار ففي نظري أنه متوجه للتبليغ وليس السلفية ، وعلى كلِ : فغياب المعاصرة إشكالية سلفية أيضا ولكن بدرجة أقل . لكن : ما السبب ؟!
هل هو عدم الرغبة ، الخوف ، إيثار كتب السلف ، ..؟
لا أظن واحدة من هذه ويا ليت تمدني بعبارات لمشايخ مؤثرين في الصحوة السعودية فيها هذا الإشكال . انظر مثلا التيار السابق في الصحوة ( عائض وسفر وسلمان ) كانوا مطلعين ويحثوا على الثقافة والتعلم وتيار الصحوة الحالي ( المنجد والدويش ) أطروحاتهم متوازنة والآن ( السكران والقديمي وعائض الدوسري مثقفين من الدرجة الأولى ) ..
الذي أراه أن مشكلة السلفية ليست ذاتية ، أي ليست من خطاب داخلي ولكن مشكلتها من وضع خارجي مرغمة عليه هذا الوضع يتمثل في : ( تأخر التعليم عن الدول الأخرى ) و ( مدى هامش الحرية ) و ( تأخر الانفتاح في البلد عن غيرنا من الدول ) .. إلخ .

شكر الله لك

محبك مداخلة :

هل صحيح أن نقدهم ( هو فى طريقة تعاملنا(نحن السلفيون) مع معطيات الواقع الجديد ) : نعم جزء كبير من نقدهم متوجه إلى هذا .. ولكن لو تأملت الإشكالات التي تكررت عندهم ستجد أن هناك شيء ما يحركهم لهذا النقد ويدفعهم ألا وهو ( الرغبة في النهضة والتقدم ) ثم إنهم جعلوا منها ( قائدا ) فالتزموا مسبباتها حتى ولو خالفوا الشرع وتأمل كتاباتهم وآخرها : مقالة القديمي في العصر حول هامش الحرية . وتأمل خلاصة بحث مآلات الخطاب المدني للشيخ ابراهيم السكران لتعرف الإشكالات الشرعية التي وقعوا فيها .
وأما نقد بكّار ففي نظري أنه متوجه للتبليغ وليس السلفية ، وعلى كلِ : فغياب المعاصرة إشكالية سلفية أيضا ولكن بدرجة أقل . لكن : ما السبب ؟!
هل هو عدم الرغبة ، الخوف ، إيثار كتب السلف ، ..؟
لا أظن واحدة من هذه ويا ليت تمدني بعبارات لمشايخ مؤثرين في الصحوة السعودية فيها هذا الإشكال . انظر مثلا التيار السابق في الصحوة ( عائض وسفر وسلمان ) كانوا مطلعين ويحثوا على الثقافة والتعلم وتيار الصحوة الحالي ( المنجد والدويش ) أطروحاتهم متوازنة والآن ( السكران والقديمي وعائض الدوسري مثقفين من الدرجة الأولى ) ..
الذي أراه أن مشكلة السلفية ليست ذاتية ، أي ليست من خطاب داخلي ولكن مشكلتها من وضع خارجي مرغمة عليه هذا الوضع يتمثل في : ( تأخر التعليم عن الدول الأخرى ) و ( مدى هامش الحرية ) و ( تأخر الانفتاح في البلد عن غيرنا من الدول ) .. إلخ .

شكر الله لك

محبك
‏قال خالد المرسي
جزاك الله خيرا أخي بدر الاسلام
وسيكون لي عودة للرد على مشاركتك_ ان شاء الله
‏قال خالد المرسي
كلامك صحيح، أما عن سبب غياب المعاصرة فسأذكره لك،
سببها هو أن بعض مشايخ السلفية لم يطلبوا العلم الشرعي بروح وثقافة عصرهم وبالتالي لم يعرضوه بروح وثقافة عصرهم، وهم لايستعملون الأدوات المعرفية الجديدة في نشر الدين وفي خطابهم الدعوي والعلمي، وهم ليس عندهم القدر الواجب علمه من الثقافة المعاصرة التي شكّلت عقول كل الناس بشكل ارادي وبشكل لاارادي، ونظرا لأنهم لم يفعلوا كل ذلك نتج أنهم صاروا محصورين في نطاق ضيق وأصبح جمهورهم هم طلبة العلم والباحثين الشرعيين فقط، وغابوا عن النخب المثقفة وعن فئات المجتمع في الطبقة الوسطى(أو لهم تأثير فيهم لكنه تأثير سطحي ساذج)!، واذا سأل سائل عن سبب هذا الانحسار! قيل له لأنهم علماء كبار وجمهورهم طلبة العلم فقط! أما من ليسوا بمتخصصين في طلب العلم فهم أقل من أن يتفاعلوا مع دعوة هؤلاء العلماء الكبار! ووالله هذه خيانة وتزوير وكذب، والتاريخ القديم والحديث شاهد بكذب وزور هذه الاجابة ،
فمثلا في التاريخ الحديث القريب جدا وجدنا من أئمة العلم الشرعى من هم على أرقى مستوى وهم مجددون فى تخصصاتهم كرشيد رضا كيف كانت حال مجلته المنار وأثرها فى العالم الاسلامى ! ولما1ا لمازار الكويت عام 1912 أحدثت زيارته انقلابا بين أهلها وتأثروا بخطبه تأثرا عظيما فتاب الى الله كثير ممن كانوا يعتقدون في فضيلته السوء وازداد عدد الراغبين فى العلوم الراقية التى كانوا يحرمونها ( كذا جاء فى مجلة الوعى الاسلامى )
ونحن نعلم الشيخ محمد عبد الله دراز وهو أستاذ الجيل السابق فى علم مقارنه الاديان وفى نقد الفلسفة الغربية كنتُ أمسك بكتابه النبأ العظيم فرءاه فى يدى أحد العوام كبار السن فقال لى ياه هذا الرجل جميل جميل أسلوبه ساحر أنا أسمع له فى الراديو !!!!!! وهذان اعالمان الان مشهور بين طلبة العلم أنه لايستطيع فهم انتاجهم الا خواص طلبة العلم ونحن فى زمن الصحوة! _ رغم أن هذه الجمعية استقدمت العلامة الشنقيطي صاحب كتاب أضواء البيان ليمكث في الكويت ويكون هو واعظ الجمعية(لكن الجمعية أُغلِقت بعد سنة لأسباب ومنها وجود الفجوة الثقافية! يعني انظر رغم وجود العلامة الشنقيطي وهو العلامة القرآني والذي قال فيه أحدهم أنه قذيفة أُلقيت من القرن الثالث الهجري الى زماننا! ورغم كل علمه هذا لم يستطع علمه الغزير هذا أن يسد الفجوة الثقافية بينه وبين المعارضين للجمعية)، وهذا لخلو الخطاب عن ما ذكرت لك
‏قال خالد المرسي
انظر المشاركة السابقة بعد التوضيح في هذا الموضوع

http://elmorsykhalid.blogspot.com/2010/05/blog-post_21.html

المشاركات الشائعة