جناية مقلدة المسلمين ومقلدة الأوروبيين على الدنيا والدين للشيخ محمد رشيد رضا .
جناية مقلدة المسلمين ومقلدة الأوروبيين على الدنيا والدين للشيخ محمد رشيد رضا .
يقول الشيخ بعد تفسيره لهذه الآيات من صدر سورة الأنعام
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5).
ما نصه : وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ عِبْرَةٌ لَنَا فِي حَالِ الَّذِينَ أَضَاعُوا الدِّينَ، مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ الْجَامِدِينَ،
وَأَهْلِ التَّفَرْنُجِ الْمُلْحِدِينَ، فَهِيَ تُنَادِي بِقُبْحِ التَّقْلِيدِ وَتُصَرِّحُ بِوُجُوبِ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ
وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَبِأَنَّ التَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ وَالْحِرْمَانَ مِنْهُ مَعْلُولٌ لِلْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَتُثْبِتُ أَنَّ
الْإِسْلَامَ دِينٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَسَاسِ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، لَا كَالْأَدْيَانِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى وَعْثِ التَّقْلِيدِ
لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
أَوِ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُهَّانِ، وَمَاذَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ هَذَا التِّبْيَانِ؟ تَبِعَ جَمَاهِيرُهُمْ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ
شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ
وَأَضَاعُوا حُجَّةَ دِينِهِمْ بِتَقْلِيدِ فَلَانٍ وَعِلَّانٍ، وَعَكَسُوا الْقَاعِدَةَ الْمَأْثُورَةَ عَنْ سَلَفِهِمْ وَهِيَ "
اعْرِفِ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ لَا الْحَقَّ بِالرِّجَالِ " وَلَوْلَا حِفْظُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَتَوْفِيقُهُ سَلَفَ
الْأُمَّةِ لِلْعِنَايَةِ بِتَدْوِينِ سُنَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْذُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ
بِهَدْيِهِمَا فِي كُلِّ زَمَانٍ، لَضَاعَ مِنَ الْوُجُودِ هَذَا الْإِسْلَامُ كَمَا ضَاعَتْ مَنْ قَبْلِهِ سَائِرُ الْأَدْيَانِ، وَلَمْ يُغْنِ عَنْ ذَلِكَ وُجُودُ الْأُلُوفِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَكُتُبِ الْكَلَامِ.
كَانَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ صَارَ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءً جُهَّالًا
لِلدُّنْيَا وَلِلدِّينِ، فَتَوَاطَأَ الْفَرِيقَانِ عَلَى اضْطِهَادِ حَمَلَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُسْتَقِلِّينَ، وَظَنُّوا
أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَيَاسَةِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا السِّيَاسَةُ، وَيُحْفَظُ بِهَا أَمْرُ الْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ، وَمَا كَانَ إِلَّا
فِتْنَةً لَهُمْ، أَضَاعُوا بِهَا دِينَهُمْ وَمُلْكَهُمْ عَلَى أَيْدِي أَقْوَامٍ مِنْ أُمَمِ الشَّمَالِ، اقْتَبَسُوا مِنَ
الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ الْأَوَّلِينَ ذَلِكَ الِاسْتِقْلَالَ فَنَسَخُوا مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ ظُلُمَاتِ التَّقْلِيدَ بِنُورِ
الِاسْتِدْلَالِ، فَبَلَغُوا مِنَ الْعِزَّةِ وَالسِّيَادَةِ أَوْجَ الْكَمَالِ.
ثُمَّ اسْتَدَارَ الزَّمَانُ فَافْتَتَنَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا رَأَوْا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَقِلِّينَ، وَلَكِنْ دَاءُ
التَّقْلِيدِ الْعُضَالُ لَمْ يُفَارِقْهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَطَفِقُوا يُقَلِّدُونَهُمْ فِي الْأَزْيَاءِ وَالْعَادَاتِ وَظَوَاهِرِ
الْأَحْكَامِ وَالْأَعْمَالِ فَازْدَادُوا بِذَلِكَ خِزْيًا عَلَى خِزْيٍ وَضَلَالًا عَلَى ضَلَالٍ; إِذْ هَدَمُوا مُقَوِّمَاتِ أُمَّتِهِمْ
وَمُشَخِّصَاتِهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَوِّنُوهَا بِمُقَوِّمَاتٍ وَمُشَخِّصَاتٍ غَيْرِهَا.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ حُجَّةٌ عَلَى مُقَلِّدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى مُقَلَّدَةِ الْأُورُبِّيِّينَ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ
أَضَاعُوا الدُّنْيَا وَالدِّينَ، وَأَعْجَبُ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَرْنِجِينَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الِاسْتِقْلَالَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ مَا
يَهْذُوُنَ بِهِ مِنَ الشُّبَهَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ، فَهَلُمَّ دَلَائِلَكُمْ عَلَى مَا
تَرَكْتُمْ مِنْ هِدَايَةٍ، وَمَا اسْتَحْدَثْتُمْ مِنْ غَوَايَةٍ فَإِنَّنَا لِمُنَاظَرَتِكُمْ مُسْتَعِدُّونَ، وَكَمْ دَعَوْنَاكُمْ إِلَيْهِ وَأَنْتُمْ لَا تُجِيبُونَ؟ .
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
التسميات:
العلامة المصلح محمد رشيد رضا
تعليقات